responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 509
خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ سِيَاقَ قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مَعَ قَوْمِهِ بِذِكْرِ هِدَايَةِ بَعْضِ الرُّسُلِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، تَمْهِيدًا بِذَلِكَ إِلَى بَيَانِ كَوْنِ رِسَالَةِ خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِنْسِ رِسَالَتِهِمْ، وَكَوْنِ هِدَايَتِهِ مُتَمِّمَةً وَمُكَمِّلَةً لِهِدَايَتِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَلَى تَبْلِيغِ هَذَا الْقُرْآنِ أَجْرًا، لَا يَرْجُو مِنْ غَيْرِ اللهِ عَلَيْهِ فَائِدَةً وَلَا نَفْعًا، وَقَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي الْوَحْيِ، وَبَيَانِ أَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ الْقَدْرِ، وَتَفْنِيدِ مَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ الْمُحِجَّةِ، قَالَ:
(وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ) ، قَدْرُ الشَّيْءِ - بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - وَمِقْدَارُهُ: مِقْيَاسُهُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ وَمَبْلَغُهُ، يُقَالُ قَدَرَهُ يَقْدُرُهُ وَقَدَّرَهُ إِذَا قَاسَهُ، وَقَادَرْتُ الرَّجُلَ مُقَادَرَةً قَايَسْتُهُ وَفَعَلْتُهُ مِثْلَ فِعْلِهِ، وَالْقَدَرُ وَالْقُدْرَةُ وَالْمِقْدَارُ الْقُوَّةُ. وَمِنْهُ الْقَدْرُ بِمَعْنَى الْغِنَى وَالْيَسَارِ - وَكَذَا الشَّرَفُ - لِأَنَّ كُلَّهُ قُوَّةٌ كَمَا قَالَ صَاحِبُ اللِّسَانِ، وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ مُخْتَصَرٌ مِنْهُ. (قَالَ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَا وَصَفُوهُ حَقَّ صِفَتِهِ، وَالْقَدَرُ وَالْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى. وَعَزَى الْأَوَّلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْقَدْرَ هُنَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، وَاحِدٌ انْتَهَى. قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِقُدْرَةِ اللهِ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ آمَنَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَقَدْ قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ. وَعَنِ الْأَخْفَشِ أَنَّ الْمَعْنَى مَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: مَا وَصَفُوهُ حَقَّ صِفَتِهِ. وَتَفْسِيرُهُ بِالْمَعْرِفَةِ أَقْوَى، لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الِاشْتِقَاقِيِّ أَلْصَقُ، وَتَعَلُّقُ الظَّرْفِ " إِذْ قَالُوا " بِفِعْلِهِ أَوْ مَعْنَى نَفْيِهِ أَظْهَرُ، سَوَاءٌ تَضَمَّنَ مَعْنَى الْعِلَّةِ أَمْ لَمْ يَتَضَمَّنْ، وَالْعِبَارَةُ مُحْتَمِلَةُ الْأَمْرَيْنِ، فَمُنْكِرُو الْوَحْيِ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِرُسُلِ اللهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَفْرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ، مَا عَرَفُوا اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ وَلَا وَصَفُوهُ حَقَّ صِفَتِهِ، وَلَا آمَنُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَهُوَ إِفَاضَةُ مَا شَاءَ مِنْ عِلْمِهِ بِمَا يَصْلُحُ بِهِ أَمْرُ النَّاسِ مِنَ الْهُدَى وَالشَّرْعِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْبَشَرِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ بِتَكْلِيمِهِ إِيَّاهُمْ بِدُونِ وَاسِطَةٍ، أَوْ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يُتْبِعُ الرِّسَالَةَ مِنْ تَأْيِيدِ الرُّسُلِ بِالْآيَاتِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ تَفْسِيرُ الْقَدْرِ بِالْقُدْرَةِ أَظَهَرُ، وَمَنْ يُجِيزُ اسْتِعْمَالَ الْمُشْتَرَكِ فِي كُلِّ مَعَانِيهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعَ أَمْنِ
اللَّبْسِ يُجِيزُ إِرَادَةَ كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ مَعَانِي الْقَدْرَ هُنَا. عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُخْتَارَ يَتَضَمَّنُ سَائِرَ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَمَنْ عَرَفَ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَصَفَهُ حَقَّ وَصْفِهِ وَآمَنَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَعَظَّمَهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ.
نَطَقَتِ الْآيَةُ بِأَنَّ مُنْكِرِي الْوَحْيِ مَا عَرَفُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَا وَصَفُوهُ بِمَا يَجِبُ وَصْفُهُ بِهِ، وَلَا عَرَفُوا كُنْهَ فَضْلِهِ عَلَى الْبَشَرِ، إِذْ قَالُوا إِنَّهُ مَا أَنْزَلَ شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ الرُّسُلِ وَإِنْزَالَ الْكُتُبِ مِنْ شُئُونِهِ سُبْحَانَهُ وَمُتَعَلِّقُ صِفَاتِهِ فِي النَّوْعِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 509
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست