responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 501
فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ " الْيَسَعَ " رَسُولُ اللهِ - مَثَلًا - كَانَ كَافِرًا. وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ بِالِاخْتِبَارِ الصَّحِيحِ أَنَّ أَكْثَرَ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ فِي عَصْرِنَا - وَمَثَلِهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْأَعْصَارِ الْمُشَابِهَةِ لَهُ - لَا يَعْرِفُونَ أَسْمَاءَ كُلِّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُمْ، إِذْ لَا يُلَقِّنُهُمْ أَحَدٌ ذَلِكَ. بَلْ نَعْلَمُ بِالِاخْتِبَارِ الصَّحِيحِ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ عَوَامِّ الْأَقْطَارِ الَّتِي عَرَفْنَاهَا لَا يُلَقِّنُهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَقَائِدَ الْإِسْلَامِ، فَكُلُّ مَا يَعْلَمُونَ مِنْهَا هُوَ مَا يَسْمَعُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَالَّذِي يَتَّجِهُ أَلَّا نُكَفِّرَ مُوَحِّدًا بِجَهْلِ بَعْضِ هَؤُلَاءِ الرُّسُلِ إِذَا كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ إِجْمَالًا، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِالْقَدَرِ وَبِأَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْعَمَلِيَّةِ وَتَحْرِيمِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَسَائِرِ مَا لَا يَزَالُ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَمَا أَنَّنَا لَا نُكَفِّرُ مَنْ ذُكِرَ بِجَهْلِ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامِّ مِنْ أَخْبَارِ الْقُرْآنِ وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ كَخَبَرِ أَهْلِ سَبَأٍ وَحُكْمِ إِرْثِ الْكَلَالَةِ وَأَدَبِ الِاسْتِئْذَانِ وَالسَّلَامِ لِدُخُولِ بُيُوتِ النَّاسِ، وَأَمَّا مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ فَيَكْفُرُ لِأَنَّهُ كَذَّبَ كَلَامَ اللهِ تَعَالَى، وَمَدَارُ الْكُفْرِ بِكُلِّ أَنْوَاعِهِ عَلَى تَكْذِيبِ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى كَمَّا أَنَّ مَدَارَ الْإِيمَانِ كُلِّهِ عَلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ فِي كُلِّ مَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى تَصْدِيقَ قَبُولٍ وَإِذْعَانٍ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيَّ الرِّوَايَةِ كَالْقُرْآنِ وَبَعْضِ السُّنَةِ وَقَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ كَالنُّصُوصِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ التَّأَوِيلَ فَمَا كَانَ غَيْرَ قَطْعِيِّ الرِّوَايَةِ احْتَمَلَ أَنْ يُكَذِّبَهُ مُكَذِّبٌ
لِلْجَهْلِ بِالرِّوَايَةِ أَوْ لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِ بَعْضَ رُوَاتِهِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ احْتَمَلَ أَنْ يُكَذِّبَ مُكَذِّبٌ بِبَعْضِ مَعَانِيهِ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادٍ، فَهَذَا مَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ، وَلِذَلِكَ يَشْتَرِطُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَيَشْتَرِطُونَ أَنْ يَكُونَ الْمُكَذِّبُ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ إِذْ لَا يَتَأَوَّلُ أَحَدٌ إِلَّا مَا كَانَ غَيْرَ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ عِنْدَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُكَفِّرْ سَلَفُ الْأُمَّةِ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي فَهْمِ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ فِرَقِ الْمُبْتَدَعَةِ مُتَأَوِّلًا، وَلَكِنَّ السَّلَفَ وَالْخَلْفَ يُكَفِّرُونَ مَنْ يُكَذِّبُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ يَعْتَقِدُ هُوَ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ قَطْعِيَّ الرِّوَايَةِ وَالدَّلَالَةِ إِذْ مَدَارُ الْكُفْرِ عَلَى التَّكْذِيبِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِمْ تَفْصِيلًا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، هُمُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي لَا زَالَ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَالسَّبْعَةُ الْآخَرُونَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ وَإِدْرِيسُ وَلُوطٌ وَأَنْبِيَاءُ الْعَرَبِ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَخَاتَمُ الْجَمِيعِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 501
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست