responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 499
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَدَاخِلَةٌ، وَأَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ ثَانِيهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُفَصَّلٌ وَآخِرُهَا الْمُجْمَلُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ.
وَقَدْ نَظَّمَ الرَّازِيُّ هُنَا جَمِيعَ الْعَقْلِيَّاتِ فِي سَلْكِ أُصُولِ الدِّينِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَهُ الْأَنْبِيَاءُ وَلَا غَيْرُهُمْ إِلَّا بِنَظَرِ
الْعَقْلِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ مَرْدُودًا عَلَيْهِ، وَالِاقْتِدَاءُ فِي النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى وَجِيهٌ فَإِنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَجْمُوعُهُمْ أَوْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ لَا يَصِحُّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ أَنْ يَسْتَدِلَّ كَمَا اسْتَدَلُّوا وَلَيْسَ هَذَا اقْتِدَاءً وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا. وَقَدْ أَوْرَدَ الرَّازِيُّ عَنِ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اعْتِرَاضًا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا لَهُ. وَأَوْرَدَ السَّعْدُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَأُصُولِ الدِّينِ هُوَ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ مِنَ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ فَلَا يَجُوزُ سِيَّمَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ فِيهِ، فَمَا مَعْنَى أَمْرِهِ بِالِاقْتِدَاءِ فِيهِ؟ وَأَجَابَ بِأَنَّ اعْتِقَادَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِأَجْلِ اعْتِقَادِهِمْ بَلْ لِأَجْلِ التَّدْلِيلِ بِلَا مَعْنَى لِأَمْرِهِ بِذَلِكَ. وَجَعَلَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ: تَعْظِيمُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ وَالْأَعْلَامِ بِأَنَّ طَرِيقَهُمْ هُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ لَا يَقْبَلُهُ التَّنْزِيلُ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي فُرُوعِ شَرَائِعِهِمْ فَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ وَأَبْعَدُهَا عَنِ الصَّوَابِ، لَا لِمَا قِيلَ مِنِ اخْتِلَافِهَا وَتَنَاقُضِهَا وَقَبُولِهَا النَّسْخَ وَكَوْنِ الْمَنْسُوخِ لَمْ يَبْقَ هُدًى. بَلِ الْأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ: إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَكْمَلَ لَنَا عَلَى لِسَانِهِ دِينَهُ الْمُبِينَ، وَأَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِجَمِيعِ الْعَالَمِينَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرَ مَا أَنْزَلَهُ بَعْدَ ذِكْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) 5: 48 فَهَذِهِ الْآيَةُ نَاطِقَةٌ صَرَاحَةً بِأَنَّ كَتَابَ هَذَا الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهَيْمِنٌ وَرَقِيبٌ وَحَاكِمٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ لَا تَابِعٌ لِشَيْءٍ مِنْهَا - وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَا جَاءَهُ مِنَ الْحَقِّ لَا بِمَا فِي كُتُبِهِمْ، وَلَا يَتِّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ إِذْ يَوَدُّ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا يُوَافِقُ كُتُبَهُ وَمَذْهَبَهُ، وَكُلُّ ذِي دَعْوَى أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا يُوَافِقُ مَصْلَحَتَهُ، عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِنَبِيٍّ مِنْ أُولَئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَرِيعَةٌ مُفَصِّلَةٌ إِلَّا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يَذْكُرِ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مِنْ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ إِلَّا أَحْكَامًا قَلِيلَةً اقْتَضَتْ ذِكْرَهَا إِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى الْيَهُودِ، وَذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ بِسِنِينَ، وَقَدْ شَهِدَ الْقُرْآنُ عَلَى الْيَهُودِ بِأَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ أَهِلُ الْإِنْجِيلِ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ،
وَقَدْ أَمَرَنَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِأَلَّا نُصَدِّقَ الْيَهُودَ فِيمَا يَرْوُونَهُ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلَا نُكَذِّبَهُمْ، فَهَلْ يُمْكِنُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ": اقْتَدِ أَيُّهَا الرَّسُولُ - الْخَاتَمُ لِلنَّبِيِّينَ، الَّذِي أُكْمِلُ عَلَى لِسَانِهِ الدِّينَ - بِالْأَحْكَامِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 499
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست