responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 436
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ) رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَاتْرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ اللهُ: (قُلْ أَنَدْعُوا) الْآيَةَ، وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ: خُصُومَةٌ عَلَّمَهَا اللهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ يُخَاصِمُونَ بِهَا أَهْلَ الضَّلَالَةِ. وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ السُّدِّيِّ؛ إِذْ
لَا يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِبَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ لِجَمِيعِهِمْ، بَلْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمِينَ دَائِمًا وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الْكُفْرِ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ مِنْ دَعْوَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا لِأَبِيهِ إِلَى الشِّرْكِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ رَدًّا عَلَيْهِمْ، فَلَقَّنَهُمُ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْحُجَّةَ الْمُؤَثِّرَةَ - بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَثَلِ الْجَلِيِّ الْوَاضِحِ لِحَالَيِ الشِّرْكِ وَضَلَالِهِ وَالتَّوْحِيدِ وَهِدَايَتِهِ - فِي سِيَاقِ حُجَجِ الْحَقِّ الْكَثِيرَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي نَزَلَتْ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ، وَالْمَعْنَى: قُلْ أَنَدْعُو - مُتَجَاوِزِينَ دُعَاءَ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى اسْتِجَابَةِ دُعَائِنَا - مَا لَا يَضُرُّنَا وَلَا يَنْفَعُنَا - كَالْأَصْنَامِ وَسَائِرِ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ - وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بِالْعَوْدِ إِلَى ضَلَالَةِ الشِّرْكِ الْفَاضِحَةِ بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ إِلَى الْإِسْلَامِ! .
وَمِنْ بَلَاغَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهَا بَيَّنَتْ عِلَّةَ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ فِي الِاسْتِفْهَامِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّ دُعَاءَ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى تَحَوُّلٌ وَارْتِدَادٌ مِنْ دُعَاءِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي يَكْشِفُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ - إِلَى دُعَاءِ الْعَاجِزِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ.
(ثَانِيهَا) أَنَّهُ نُكُوصٌ عَلَى الْأَعْقَابِ، وَتَقَهْقُرٌ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِيمَنْ عَجَزَ بَعْدَ قُدْرَةٍ، أَوْ سَفُلَ بَعْدَ رِفْعَةٍ، أَوْ أَحْجَمَ بَعْدَ إِقْدَامٍ عَلَى مَحْمَدَةٍ: نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَارْتَدَّ عَلَى عَقِبَيْهِ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى، وَالْأَصْلُ فِيهِ رُجُوعُ الْهَزِيمَةِ أَوِ الْخَيْبَةِ وَالْعَجْزِ عَنِ السَّيْرِ الْمَحْمُودِ، ثُمَّ صَارَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ تَحَوُّلٍ مَذْمُومٍ.
(ثَالِثُهَا) التَّعْبِيرُ بِ (نُرَدُّ) الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ بَدَلَ التَّعْبِيرِ بِ " نَرْتَدُّ " أَوْ " نَرْجِعُ "، وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّ هَذَا التَّحَوُّلَ الْمَذْمُومَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ مِنْ عَاقِلٍ ; لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِذَا وَصَلَ إِلَى مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْكَمَالِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَارُ الرُّجُوعَ عَنْهَا وَاسْتِبْدَالَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأَعْلَى، فَإِذَا كَانَتْ فِطْرَتُهُ وَعَقْلُهُ يَأْبَيَانِ عَلَيْهِ هَذِهِ الرِّدَّةَ وَالنُّكُوصَ، فَكَيْفَ يُرَدُّ وَهُوَ لَا يَرْتَدُّ؟ .
(رَابِعُهَا) أَنَّ مَنْ أَنْقَذَهُ اللهُ الْقَدِيرُ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطِ السَّعَادَةِ بِمَا أَرَاهُ مِنْ آيَاتٍ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ، وَمَا شَرَحَ بِهِ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ، فَمَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُضِلَّهُ بَعْدَ إِذْ هَدَاهُ اللهُ؟ (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) (39: 37) .
(خَامِسُهَا) الْمَثَلُ الَّذِي يُصَوِّرُ الْمُرْتَدَّ فِي أَقْبَحِ حَالَةٍ كَانَتْ تَتَصَوَّرُهَا الْعَرَبُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا) قَرَأَ حَمْزَةُ " اسْتَهْوَاهُ " بِأَلْفِ مُمَالَةٍ، وَكَانُوا يَرْسُمُونَهَا يَاءً كَأَصْلِهَا وَإِنْ تَكُنْ طَرَفًا، وَرَسْمُهَا فِي
الْمُصْحَفِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 436
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست