responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 417
أَقُولُ: أَمَّا الْعِلْمُ بِاللهِ تَعَالَى وَبِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهُوَ مِعْرَاجُ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ فَهُوَ وَسِيلَةٌ وَمَقْصِدٌ، أَعْنِي أَنَّهُ أَعْظَمُ الْوَسَائِلِ لِكَمَالِ الْعِلْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمِنْ أَقْرَبِ الطُّرُقِ إِلَيْهِ، وَأَقْوَى الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ الْعُلُومِ الَّتِي يَرْتَقِي بِهَا الْبَشَرُ فِي الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ فَيَكُونُونَ بِهَا أَعِزَّاءَ أَقْوِيَاءَ سُعَدَاءَ، وَإِنَّمَا يُرْجَى بُلُوغُ كَمَالِ الِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ إِذَا نُظِرَ فِيهِ إِلَى الْوَجْهِ الرَّبَّانِيِّ وَالْوَجْهِ الْإِنْسَانِيِّ جَمِيعًا، وَهُوَ مَا كَانَ عُمَرُ يَنْظُرُ فِيهِ بِنُورِ اللهِ فِي فِطْرَتِهِ وَهِدَايَةِ كِتَابِهِ، وَأَمَّا أَبُو حَامِدٍ فَقَدْ لَاحَظَ الْوَجْهَ الرَّبَّانِيَّ فَقَطْ، وَإِنَّ فِي سِيَاسَةِ عُمَرَ وَفِي كَلَامِهِ لِدَلَائِلَ كَثِيرَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ بَصِيرَتِهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ، فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ وَسِيلَةً لَنَا لِتَكْمِيلِ أَنْفُسِنَا، وَإِصْلَاحِ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِنَا، آمِينَ.
إِذَا تَدَبَّرْتَ هَذَا أَيُّهَا الْقَارِئُ، فَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْفِتَنِ وَالسَّاعَةِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهَا بِدَوَامِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ مِنَ الضَّعْفِ وَالْجَهْلِ وَلَوَازِمِهِمَا كَمَا يَزْعُمُ الْجَاهِلُونَ بِسُنَنِ اللهِ، الْيَائِسُونَ مِنْ رُوحِ اللهِ، بَلْ تُوجَدُ نُصُوصٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
لِجَوَادِهَا نَهْضَةً مِنْ هَذِهِ الْكَبْوَةِ، وَأَنَّ لِسَهْمِهَا قَرْطَسَةً بَعْدَ هَذِهِ النَّبْوَةِ كَالْآيَةِ النَّاطِقَةِ بِاسْتِخْلَافِهِمْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ عُمُومَهَا لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ، وَكَخَبَرِ " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا، وَحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا ضَلَالَ الطَّرِيقِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ، وَيُؤَيِّدُهُ وَيُوَضِّحُ مَعْنَاهُ مَا صَحَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ مِسَاحَةَ الْمَدِينَةِ سَوْفَ تَبْلُغُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: إِهَابٌ، أَيْ أَنَّ مِسَاحَتَهَا سَتَكُونُ عِدَّةَ أَمْيَالٍ، فَكُونُوا يَا قَوْمُ مِنَ الْمُبَشِّرِينَ لَا مِنَ الْمُنَفِّرِينَ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (38: 88) .
(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ) الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ: وَكَذَّبَ جُمْهُورُ قَوْمِكَ وَهُمْ قُرَيْشٌ بِالْعَذَابِ أَوْ بِالْقُرْآنِ، عَلَى مَا صَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ الْجَاذِبَةِ إِلَى فِقْهِ الْإِيمَانِ بِجَعْلِهَا حُجَجًا يُثْبِتُهَا الْحِسُّ وَالْعَقْلُ وَالْوِجْدَانُ فِي أَعْلَى أَسَالِيبِ الْبَلَاغَةِ وَحُسْنِ الْبَيَانِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ فِي نَفْسِهِ، الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إِلَّا الْكِبْرُ وَالْعِنَادُ وَالْجُمُودُ عَلَى تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أَيْ: قُلْ لَهُمْ أَيُّهَا الرَّسُولُ: إِنَّنِي لَسْتُ بِوَكِيلٍ مُسَيْطِرٍ عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ لَكُمْ، فَالْوَكِيلُ هُوَ الَّذِي تُوكَلُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ، وَفِي الْوِكَالَةِ مَعْنَى السَّيْطَرَةِ وَالتَّصَرُّفِ، فَمَنْ جَعَلَهُ السُّلْطَانُ أَوِ الْمَلِكُ وَكِيلًا لَهُ عَلَى بِلَادِهِ أَوْ مَزَارِعِهِ يَكُونُ مَأْذُونًا بِالتَّصَرُّفِ عَنْهُ فِيهَا وَالسَّيْطَرَةِ عَلَى أَهْلِهَا، وَالرَّسُولُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى، يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعَلِّمُهُمْ وَيُبَشِّرُهُمْ وَيُنْذِرُهُمْ، وَيُقِيمُ دِينَ اللهِ فِيهِمْ، هَذِهِ وَظِيفَتُهُ، وَلَيْسَ وَكِيلًا عَنْ رَبِّهِ وَمُرْسِلِهِ، وَلَا يُعْطَى الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي عِبَادِهِ حَتَّى يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ إِجْبَارًا وَيُكْرِهَهُمْ عَلَيْهِ إِكْرَاهًا (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (2: 256) -

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 417
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست