responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 415
يَفْهَمُونَ مِنْهَا أَنَّ الْكَسَلَ وَالْخُمُولَ وَالتَّوَاكُلَ وَالْفَقْرَ وَالذُّلَّ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ، فَصَارُوا لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا إِلَّا ضَعْفًا وَعَجْزًا، وَلَا يَزْدَادُونَ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا حِرْصًا وَدَنَاءَةً وَبُخْلًا.
إِذَا تَدَبَّرْتَ هَذَا الْمِثَالَ فَاجْعَلْهُ مِرْآةً لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ أَنْبَاءِ مُسْتَقْبَلِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، كَسِعَةِ مُلْكِهَا فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا - أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحِجَازِ - ثُمَّ تَدَاعِي الْأُمَمِ عَلَيْهَا كَمَا تَتَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، وَمِنْ تُفَرُّقِهَا شِيَعًا وَوُقُوعِ بَأْسِهَا بَيْنَهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْفِتَنِ، وَمَا يَكُونُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ مِنَ الْإِحْدَاثِ وَالْبِدَعِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَ الْأُمَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ بِسُوءِ فَهْمِهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ - بَعْدَ فُشُوِّ الْجَهْلِ فِيهَا - هُوَ نَحْوٌ مِمَّا أَصَابَهَا بِسُوءِ فَهْمِهَا لِتِلْكَ النُّصُوصِ وَالْحِكَمِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي الْمِثَالِ. وَطَّنَ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَنْفُسَهُمْ مُنْذُ قُرُونٍ عَلَى الرِّضَا بِجَمِيعِ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ الَّتِي أَنْبَأَتِ الْأَحَادِيثُ بِوُقُوعِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَقَعَدَتْ هِمَمُهُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ، وَالدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ، مُعْتَذِرِينَ لِأَنْفُسِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْرٌ قَدْ وَرَدَ بِوُقُوعِهِ الْخَبَرُ، فَلَا مَهْرَبَ مِنْهُ وَلَا مَفَرَّ، كَمَا يَعْتَذِرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ عَنْ تَرْكِ مُجَارَاةِ الْأُمَمِ الْعَزِيزَةِ فِي أَسْبَابِ الْعِزَّةِ وَطُرُقِ الثَّرْوَةِ بِالنُّصُوصِ وَالْحِكَمِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي التَّنْفِيرِ عَنِ الطَّمَعِ وَالْجَشَعِ وَتَهْوَيْنِ أَمْرِ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا، وَالتَّرْغِيبِ فِي مَعَالِي الْأَمْرِ وَإِيثَارِ الْحَيَاةِ الْبَاقِيَةِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ مِرَارًا فِي التَّفْسِيرِ وَفِي غَيْرِ التَّفْسِيرِ.
وَتَرَاهُمْ مَعَ هَذَا قَدْ تَرَكُوا السَّعْيَ وَالْعَمَلَ لِمَا وُعِدُوا بِهِ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِنَ الْخَيْرِ وَالسِّيَادَةِ كَمَا كَانَ يَسْعَى وَيَعْمَلُ لَهُ سَلَفُهُمْ، وَمِنْ تِلْكَ الْوُعُودِ مَا لَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إِتْيَانِهِ؛ لِأَنَّ وَعْدَ اللهِ مَفْعُولٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِالنُّصُوصِ الْآمِرَةِ بِالْبَذْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ، مَعَ ادِّعَائِهِمُ الْأَخْذَ بِمَا وَرَدَ فِي إِيثَارِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا أَوِ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ.
وَحَقِيقَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ رُزِئُوا بِالْجَهْلِ وَالْكَسَلِ وَسُقُوطِ الْهِمَّةِ، فَهُمْ بِجَهْلِهِمْ
يَتْعَبُونَ وَيَشْقَوْنَ فِي اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ وَالسَّعْيِ لِحُظُوظِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ الدَّنِيئَةِ، وَلَا يُفَكِّرُونَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلَا يَعْقِلُونَ وَجْهَ ارْتِبَاطِ الْمَنَافِعِ الْخَاصَّةِ بِهَا، بَلْ يَتْرُكُونَهَا زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ قَدْ وَكَّلُوا أَمْرَهَا إِلَى اللهِ وَعَمِلُوا بِهَدْيِ دِينِهِ فِيهَا. بَلْ لَا يَخْطُرُ فِي بَالِ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الزَّعْمَ إِلَّا إِذَا عَذَلَهُ عَاذِلٌ أَوْ وَبَخَّهُ مُوَبِّخٌ عَلَى تَفْرِيطِهِ فِي حُقُوقِ أُمَّتِهِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِمِلَّتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَعْتَذِرُونَ بِالْأَقْدَارِ، أَوْ بِأَنَّ الْآخِرَةَ لَهُمْ وَالدُّنْيَا لِلْكَفَّارِ، وَقَدْ ذَكَّرْنَاهُمْ بِفَسَادِ شُبْهَتِهِمْ هَذِهِ مِرَارًا (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (40: 13) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 415
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست