responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 414
اللهِ، وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ.
(تَنْبِيهُ غَافِلٍ، وَتَعْلِيمُ جَاهِلٍ) .
يُسِيءُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَأْوِيلَ حَدِيثَيْ ثَوْبَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَحَادِيثِ الْفِتَنِ، وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى مَا يَضُرُّهُمْ، وَهُوَ مَا لَمْ يُرِدْهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَرْضَاهُ لَهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ نُبَيِّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ؛ فَنَقُولُ:
إِنْ لِأَحْوَالِ الْأُمَمِ الْعَامَّةِ تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي فَهْمِ أَفْرَادِهَا لِنُصُوصِ الدِّينِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَقْوَالِ الْحُكَمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ، فَهِيَ فِي حَالِ ارْتِقَائِهَا بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَمَا يُثْمِرَانِ مِنَ الْعِزَّةِ وَالْقُوَّةِ تَكُونُ أَصَحَّ أَفْهَامًا، وَأَصْوَبَ أَحْكَامًا، وَأَكْثَرَ اعْتِبَارًا وَادِّكَارًا، وَأَحْسَنَ اسْتِفَادَةً وَاسْتِبْصَارًا، وَفِي حَالِ فُشُوِّ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ، وَمَا يُنْتِجَانِ مِنَ الضَّعْفِ وَالذُّلِّ، تَكُونُ بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَضْرِبُ مَثَلًا لِذَلِكَ: النُّصُوصُ وَالْحِكَمُ الْمَنْظُومَةِ وَالْمَنْثُورَةِ فِي ذَمِّ الطَّمَعِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْمَالِ وَزِينَةِ الدُّنْيَا، وَمَا يُقَابِلُهَا مِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالتَّرْغِيبِ فِي مَعَالِي الْأُمُورِ وَبَذْلِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ. لَمْ تَكُنْ تِلْكَ النُّصُوصُ وَالْحِكَمِ وَالْأَشْعَارِ وَالْأَمْثَالِ بِصَادَّةٍ لِلْأُمَّةِ فِي طَوْرِ حَيَاتِهَا وَارْتِقَائِهَا عَنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْبِ، وَإِحْرَازِ قَصَبِ السَّبْقِ فِي جَمِيعِ مَيَادِينِ التَّنَازُعِ عَلَى السِّيَادَةِ وَمَوَارِدِ الرِّزْقِ، بَلْ كَانَتْ هِيَ الْحَافِزَةُ لَهَا إِلَى ذَلِكَ بِقَصْدِ إِعْزَازِ الْمِلَّةِ، وَرَفْعِ شَأْنِ الْأُمَّةِ، لِذَلِكَ كَانُوا يَبْذُلُونَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ بِمُنْتَهَى السَّخَاءِ فِي سَبِيلِ الْبِرِّ وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ، وَلَوْ حَفِظَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَّا مَا حَبَسَهُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَوْقَافِ عَلَى جَمِيعِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَأَنْوَاعِ الْبِرِّ لَوَجَدُوا أَنَّ جَمِيعَ مَا مَلَكُوهُ مِنَ الْأَرْضِ كَانَ وَقْفًا بَلْ وُقِفَ مِرَارًا ; لِأَنَّ الْخَلَفَ الصَّالِحَ صَارَ يُحَوِّلُ أَوْقَافَ السَّلَفِ الصَّالِحِ إِلَى مِلْكٍ، حَتَّى كَانَ عَمُّ وَالِدِي الشَّيْخُ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ أَبُو الْكَمَالِ يَقُولُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى: فِي كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ يَتَحَوَّلُ كُلُّ وَقْفٍ فِي طَرَابُلُسَ الشَّامِ مِلْكًا، وَكُلُّ مِلْكٍ وَقْفًا.
كَانَتْ تِلْكَ النُّصُوصُ وَالْحِكَمُ لِلْأُمَّةِ فِي تِلْكَ الْحَيَاةِ كَالْغِذَاءِ الصَّالِحِ لِلْجِسْمِ السَّلِيمِ، يَزِيدُهُ قُوَّةً، وَيَحْفَظُ لَهُ حَيَاتَهُ وَيُعَوِّضُهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْحَلُّ مِنْهُ مِنَ الدَّقَائِقِ الْمَيِّتَةِ مَادَّةً حَيَّةً خَيْرًا مِنْهَا، ثُمَّ صَارَتْ فِي طَوْرِ الضَّعْفِ كَالْغِذَاءِ الْجَيِّدِ فِي الْجِسْمِ الْعَلِيلِ، لَا يَزِيدُهُ إِلَّا ضَعْفًا وَانْحِلَالًا ; إِذْ صَارُوا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 414
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست