responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 404
(يُفْرِطُونَ) مِنَ الْإِفْرَاطِ الْمُقَابِلِ لِلتَّفْرِيطِ، أَيْ لَا يَتَجَاوَزُونَ وَلَا يَعْتَدُونَ فِيهِ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ. وَلَكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى نَفْيِ الْإِفْرَاطِ غَيْرُ قَوِيَّةٍ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ.
(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ) الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمَعْنَى: ثُمَّ يُرَدُّ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الرُّسُلُ إِلَى اللهِ الَّذِي هُوَ مَوْلَاهُمُ الْحَقُّ لِيُحَاسِبَهُمْ وَيُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى آيَةِ (الم السَّجْدَةِ) (32: 11) الَّتِي تَقَدَّمَتْ آنِفًا. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى: ثُمَّ يُرَدُّ أُولَئِكَ الرُّسُلُ إِلَى رَبِّهِمْ بَعْدَ إِتْمَامِ مَا وُكِّلَ إِلَيْهِمْ بِمَوْتِ جَمِيعِ النَّاسِ، فَيَمُوتُونَ هُمْ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا مُخَالَفَتُهُ لِآيَةِ السَّجْدَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْبَشَرِ وَبَيَانِ الدَّيْنِ لَهُمْ وَإِقَامَةِ حُجَجِهِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحِسَابَ الَّذِي خُتِمَتْ بِذِكْرِهِ الْآيَةُ حِسَابُ الْبَشَرِ لَا حِسَابُ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ مَبَاحِثُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ يَتَّضِحُ بِهَا مَا فِيهَا مِنَ الْبَلَاغَةِ.
(الْأَوَّلُ) أَنَّ فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتًا مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ خِطَابٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُكَلَّفِينَ. وَالْتِفَاتًا آخَرَ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَإِلَّا لَقَالَ: ثُمَّ رَدَدْنَاكُمْ أَوْ: رَدَدْنَاهُمْ - عَلَى الِالْتِفَاتِ - إِلَخْ. وَنُكْتَةُ الِالْتِفَاتِ تُفْهَمُ مِنَ الْمَبَاحِثِ الْأُخْرَى.
(الثَّانِي) أَنَّهُ جَعَلَ فِعْلَ الرَّدِّ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ لَهُ تَعَالَى رُسُلًا أُخْرَى - وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ غَيْرُ رُسُلِ الْمَوْتِ وَرُسُلِ الْحِفْظِ - يَرُدُّونَ الْعِبَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبَعْثِ عِنْدَمَا يَحْشُرُونَهُمْ بِأَمْرِهِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَهَذِهِ أَظْهَرُ نُكَتِ الِالْتِفَاتِ.
(الثَّالِثُ) ذَهَبَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: (رُدُّوا) لِلْكُلِّ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ مِنْ قَوْلِهِ: (إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) وَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي مَجِيئِهِ بِطَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَالْإِفْرَادِ أَوَّلًا وَالْجَمْعِ آخِرًا، لِوُقُوعِ التَّوَفِّي عَلَى الْإِفْرَادِ وَالرَّدِّ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالْمَجْمُوعِ. وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ الْقَوْلِ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْكُلِّ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ، وَالِالْتِفَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ ضَمِيرِ الْخِطَابِ الَّذِي لِلْجَمَاعَةِ ضَمِيرَ غِيبَةٍ لَهُمْ.
(الرَّابِعُ) أَنَّ هَذَا الرَّدَّ يَكُونُ بَعْدَ الْبَعْثِ، فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِفِعْلِ
الِاسْتِقْبَالِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ (ثُمَّ تُرَدُّونَ) وَعَبَّرَ هُنَا بِالْمَاضِي لِإِفَادَةِ تَحْقِيقِ الْوُقُوعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ وَانْقَضَى.
(الْخَامِسُ) مِنْ فَوَائِدِ الِالْتِفَاتِ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ ذِكْرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَوَصْفُهُ بِمَا وُصِفَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَأْثِيرَهُ فِي النَّفْسِ هُنَا أَعْظَمُ مِنْ تَأْثِيرِ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 404
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست