responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 403
الْحِسَابِ وَنُشِرَتْ صُحُفُهُ الْمَطْوِيَّةُ فِي سَرِيرَةِ نَفْسِهِ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالَهُ فِيهَا بِصُوَرِهَا وَمَعَانِيهَا فَتَتَمَثَّلُ لِذَاكِرَتِهِ وَلِحِسِّهِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَمَا عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهَا الْحِسِّيَّةِ وَلَا الْمَعْنَوِيَّةِ - كَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ - فَيَكُونُ حَسِيبًا عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى عَيْنِ الْيَقِينِ مِنْ عَدْلِ اللهِ وَفَضْلِهِ: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (17: 13، 14) . (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا 18: 49) .
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) قَرَأَ حَمْزَةُ (تَوَفَّاهُ) بِأَلِفٍ مُمَالَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ، وَالْبَاقُونَ (تَوَفَّتْهُ) بِالتَّاءِ بَعْدَ الْفَاءِ، وَرَسْمُهُمَا فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ وَاحِدٌ هَكَذَا (تَوَفَّتْهُ) لِأَنَّ الْأَلْفَ رُسِمَتْ يَاءً كَأَصْلِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُرَاقِبُونَكُمْ وَيُحْصُونَ عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ مُدَّةَ حَيَاتِكُمْ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وَانْتَهَى عَمَلُهُ تَوَفَّتْهُ أَيْ فَبَضَتْ رُوحَهُ رُسُلُنَا الْمُوَكَّلُونَ بِذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهَؤُلَاءِ الرُّسُلُ هُمْ أَعْوَانُ مَلَكِ الْمَوْتِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ 32: 11) فَالْأَرْوَاحُ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ، لِكُلٍّ مِنْهَا مُسْتَقَرٌّ فِي الْبَرْزَخِ يَلِيقُ بِهِ، وَلِلْمَوْتِ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ، لِكُلٍّ مِنْهَا سُنَنٌ وَنِظَامٌ فِي الْحَيَاةِ خَاصٌّ بِهِ فَقَبْضُ الْأُلُوفِ مِنَ الْأَرْوَاحِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَوَضْعُهَا فِي الْمَوَاضِعِ اللَّائِقَةِ بِهَا عَمَلٌ عَظِيمٌ وَاسِعُ النِّطَاقِ، يَقُومُ بِإِدَارَتِهِ وَنِظَامِهِ رُسُلٌ كَثِيرُونَ وَكُلُّ عَمَلٍ مُنَظَّمٍ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ جِهَةً وَاحِدَةً هِيَ مَكَانُ الرِّيَاسَةِ وَالنِّظَامِ مِنْهُ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَلَكِ الْمَوْتِ، أَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ؟ قَالَ: هُوَ الَّذِي يَلِي أَمْرَ الْأَرْوَاحِ، وَلَهُ أَعْوَانٌ عَلَى ذَلِكَ، وَقَرَأَ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ: غَيْرَ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ هُوَ الرَّئِيسُ إِلَخْ. وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّ الْأَعْوَانَ يَقْبِضُونَ الْأَرْوَاحَ مِنَ الْأَبْدَانِ ثُمَّ يَدْفَعُونَهَا إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَوَفٍّ، وَعَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقَبْضَ بِنَفْسِهِ وَيَدْفَعُهَا إِلَى الْأَعْوَانِ، فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُؤْمِنًا دَفَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا دَفَعَهَا إِلَى مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ، أَيْ وَهُمْ يَذْهَبُونَ بِالْأَرْوَاحِ إِلَى حَيْثُ يُوَجِّهُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى.
وَقَدْ أُسْنِدَ التَّوَفِّيَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الزُّمَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ (ص 399) إِمَّا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْآمِرُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ وَلِأَعْوَانِهِ جَمِيعًا بِذَلِكَ - وَهُوَ مَا صَرَّحُوا بِهِ - وَإِمَّا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ وَالْمُسَخِّرُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ، فَهُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، وَبِتَسْخِيرِهِ يَتَصَرَّفُونَ، لَا يَعْتَدُونَ فِي تَنْفِيذِ إِرَادَتِهِ وَلَا يُفَرِّطُونَ، وَالتَّفْرِيطُ التَّقْصِيرُ بِنَحْوِ التَّوَانِي وَالتَّأْخِيرِ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ 38) وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 403
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست