responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 393
فِي صِفَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا نَقْبَلُ قَوْلَ أَحَدٍ - غَيْرِ الْمَعْصُومِ - فِيمَا يَزْعُمُهُ مِنْ وَصْفِ اللَّوْحِ أَوِ الْقَلَمِ أَوْ تِلْكَ الْكِتَابَةِ، وَمِنَ الْجَهْلِ الْفَاضِحِ أَنْ نُشَبِّهَ ذَلِكَ بِمَا نَعْهَدُهُ مِنْ كِتَابَتِنَا، وَنَحْنُ نَرَى الْبَشَرَ قَدِ اخْتَرَعُوا لِتَدْوِينِ الْكَلَامِ طُرُقًا يَتَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى مَسَافَةِ أُلُوفٍ مِنَ الْأَمْيَالِ وَالْفَرَاسِخِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِوَاسِطَةِ الْكَهْرَبَاءِ الَّتِي تُسَخَّرُ لِذَلِكَ بِأَسْلَاكٍ وَبِغَيْرِ أَسْلَاكٍ، فَيَكْتُبُ أَحَدُهُمْ فِي لَوْحِ الْجَوِّ مَا شَاءَ أَنْ يَكْتُبَ فَيَتَكَيَّفُ بِهِ الْهَوَاءُ فِي هَذَا الْجَوِّ الْوَاسِعِ كُلِّهِ وَيَتَلَقَّاهَا آخَرُونَ بِآلَاتٍ عِنْدَهُمْ تَرْسُمُ لَهُمْ مَا رَسَمَ فِي الْهَوَاءِ، فَيَقْرَءُونَهُ وَيُدَوِّنُونَهُ لِلْمُرْسَلِ إِلَيْهِ أَوْ لِمَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ.
وَالَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ مَا وَرَدَ فِي اللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْعَرْشِ لَيْسُوا أَبْعَدَ عَنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ مِمَّنْ يُشَبِّهُونَ هَذِهِ الْعَوَالِمَ الْغَيْبِيَّةَ بِمَا يَعْهَدُونَ مِنْ صُنْعِ الْبَشَرِ فِي هَذَا الْعَالِمِ الْمُتَغَيِّرِ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْمَصْنُوعَاتِ تَتَغَيَّرُ وَتَتَرَقَّى كُلَّمَا تَرَقَّى النَّاسُ فِي الصِّنَاعَاتِ، حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ الشَّعْرَانِيَّ صَوَّرَ الْمِيزَانَ الْإِلَهِيَّ الَّذِي يَزِنُ بِهِ تَعَالَى أَعْمَالَ الْعِبَادِ الْمَعْنَوِيَّةِ كُلَّهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قَصِيرٍ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبَيْنِ بِصُورَةِ أَحْقَرِ الْمَوَازِينِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا فِي طَوْرِ الْبَدَاوَةِ وَالْجَهْلِ بِفُنُونِ الصِّنَاعَةِ، وَنَحْنُ نَرَى الْبَشَرَ قَدِ اخْتَرَعُوا فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَوَازِينِ الدَّقِيقَةِ لِلْأَثْقَالِ الْمَادِّيَّةِ وَلِلْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ، كَالرُّطُوبَةِ وَالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالسُّرْعَةِ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَعْرِفُونِ أَثْقَالَ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ رُكَّابَ السَّفِينَةِ الْغَوَّاصَةِ لَيَعْلَمُونِ وَهُمْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ مَا يَكُونُ حَوْلَهُمْ إِلَى أَبْعَادٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَحْوَالِ
الْمَرَاكِبِ الَّتِي عَلَى ظَهْرِ الْبَحْرِ وَأَثْقَالِهَا، وَبَعْضِ مَا يَتَحَرَّكُ فِي الْبَرِّ أَيْضًا.
هَذَا وَإِنَّ مِنَ التَّشْبِيهِ مَا هُوَ فِتْنَةٌ مُنَفِّرَةٌ، وَمِنَ التَّأْوِيلِ مَا يُزِيلُ بَعْضَ الشُّبُهَاتِ الْمُضَلِّلَةِ أَوِ الْمُكَفِّرَةِ، وَلِذَلِكَ نَذْكُرُ بَعْضَ تَأْوِيلَاتِ الْخَلَفِ، مَعَ اسْتِمْسَاكِنَا بِتَفْوِيضِ السَّلَفِ، وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَانَ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، إِذْ قَالَ فِي تَفْسِيرِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ مَا نَصُّهُ:
" وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ شَيْءٌ أَخْبَرَ اللهُ بِهِ، وَأَنَّهُ أَوْدَعَهُ كِتَابَهُ، وَلَمْ يُعَرِّفْنَا حَقِيقَتَهُ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّهُ شَيْءٌ مَوْجُودٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ حَفِظَ فِيهِ كِتَابَهُ إِيمَانًا بِالْغَيْبِ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُ جُرْمٌ مَخْصُوصٌ فِي سَمَاءٍ مُعَيَّنَةٍ، وَوَصْفُهُ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الْمَعْصُومِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّوَاتُرِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقَائِدِ أَهْلِ الْيَقِينِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
" وَمَا أَجْدَرَنَا لَوْ أَرَدْنَا التَّأْوِيلَ بِأَنْ نَأْخُذَ بِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ هُوَ لَوْحُ الْوُجُودِ الْحَقِّ، وَمَعَانِي الْقُرْآنِ وَقَضَايَاهُ الشَّرِيفَةُ، لَمَّا كَانَتْ لَا يَأْتِيهَا الْبَاطِلُ وَلَا يُدَانِيهَا الْخَطَأُ كَانَتْ ثَابِتَةً فِي لَوْحِ الْوَاقِعِ الْمَحْفُوظِ الَّذِي لَا حَقَّ إِلَّا مَا وَافَقَهُ، وَلَا بَاطِلَ إِلَّا مَا خَالَفَهُ، وَلَا بَاقٍ إِلَّا مَا رُسِمَ فِيهِ، وَلَا ضَائِعَ إِلَّا مَا لَمْ يَنْطَبِقْ عَلَيْهِ. اهـ.
وَنَقُولُ: إِنَّ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا لَمْ تَثْبُتْ عَنِ الْمَعْصُومِ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا بِغَيْرِ التَّوَاتُرِ مِنْ أَحَادِيثِ الْآحَادِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّأْوِيلِ قَرِيبٌ مِمَّا فَصَّلَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 393
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست