responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 382
مِنْ رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ مِنَ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا - إِلَّا كَائِنٌ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ - وَهُوَ عِلْمُ اللهِ تَعَالَى الَّذِي يُشْبِهُ الْمَكْتُوبَ فِي الصُّحُفِ بِثَبَاتِهِ وَعَدَمِ تَغَيُّرِهِ - أَوْ كِتَابُهُ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا قَبْلَهُ: (إِلَّا يَعْلَمُهَا) وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِنَّهُ تَكْرِيرٌ لَهُ
بِالْمَعْنَى، وَقِيلَ: بَدَلُ كُلٍّ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا حِكْمَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالذِّكْرِ؟ قُلْنَا: إِنَّ الْمَعْلُومَ - أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِلْمُ إِمَّا مَوْجُودٌ وَإِمَّا مَعْدُومٌ، وَالْمَوْجُودُ إِمَّا حَاضِرٌ مَشْهُودٌ، وَإِمَّا غَائِبٌ فِي حُكْمِ الْمَفْقُودِ، وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ غَائِبٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى، فَعِلْمُهُ تَعَالَى بِالْأَشْيَاءِ إِمَّا عِلْمُ غَيْبٍ وَهُوَ عِلْمُهُ بِالْمَعْدُومِ، وَإِمَّا عِلْمُ شَهَادَةٍ وَهُوَ عِلْمُهُ بِالْمَوْجُودِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْخَلْقِ فَمِنَ الْمَوْجُودَاتِ مَا هُوَ حَاضِرٌ مَشْهُودٌ لَدَيْهِمْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ حَاضِرٌ غَيْرُ مَشْهُودٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ لَهُمْ آلَةً لِلْعِلْمِ بِهِ كَعَالَمِ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ مَعَ الْإِنْسِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَائِبٌ عَنْ شُهُودِهِمْ وَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِإِدْرَاكِهِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَمَا هُوَ غَائِبٌ وَهُمْ غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ لِإِدْرَاكِهِ لَوْ حَضَرَ، فَكُلُّ مَا خُلِقُوا غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ لِإِدْرَاكِهِ مِنْ مَوْجُودٍ وَمَعْدُومٍ فَهُوَ غَيْبٌ حَقِيقِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، وَكُلُّ مَا خُلِقُوا مُسْتَعِدِّينَ لِإِدْرَاكِهِ دَائِمًا أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَهُوَ - إِنْ غَابَ عَنْهُمْ - غَيْبٌ إِضَافِيٌّ. وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ خَزَائِنَ عَالَمِ الْغَيْبِ كُلِّهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ مَفَاتِيحُهَا وَأَسْبَابُهَا الْمُوصِلَةُ إِلَيْهَا، وَأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الشَّهَادَةِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَثَلِ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِنْ ظَاهِرٍ وَخَفِيٍّ، ثُمَّ خَصَّ بِالذِّكْرِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مِمَّا فِي الْبَرِّ: إِحَاطَةُ عِلْمِهِ بِكُلِّ وَرَقَةٍ تَسْقُطُ مِنْ نَبْتَةٍ، وَكُلِّ حَبَّةٍ تَسْقُطُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ، وَكُلِّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ. فَأَمَّا الْوَرَقُ الَّذِي يَسْقُطُ فَهُوَ مَا كَانَ حَبًّا رَطْبًا مِنَ النَّبَاتِ فَأَشْرَفَ عَلَى الْيُبْسِ وَفَقَدَ الْحَيَاةَ النَّبَاتِيَّةَ وَالْتَحَقَ بِمَوَادَّ الْأَرْضِ الْمَيْتَةِ، وَقَدْ يَتَغَذَّى بِهِ حَيَوَانٌ بَعْدَ يُبْسِهِ أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ يَتَحَلَّلُ فِي الْأَرْضِ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَيَتَغَذَّى بِهِ نَبَاتٌ آخَرُ فَيَدْخُلُ فِي عَالَمِ الْأَحْيَاءِ بِطَوْرٍ آخَرَ، وَأَمَّا الْحَبُّ فَهُوَ أَصْلُ تَكْوِينِ النَّبَاتِ الْحَيِّ يَسْقُطُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ، فَمِنْهُ مَا يَنْبُتُ وَيَكُونُ نَجْمًا أَوْ شَجَرًا، وَمِنْهُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ بَعْضُ الْأَحْيَاءِ مِنَ الْحَيَوَانِ، كَالطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ، فَيَدْخُلُ فِي بِنْيَتِهَا كَمَا قُلْنَا فِيمَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا ذِكْرُ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ فِي هَذَا الْبَابِ، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ تَدْخُلُ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ، ثُمَّ تَبْرُزُ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ. وَعِلْمُ اللهِ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى كَثْرَتِهَا وَدِقَّةِ بَعْضِهَا وَصِغَرِهِ، وَتَنَقُّلِهِ فِي أَطْوَارِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَمَا يَتْبَعْهُمَا مِنَ الصُّوَرِ وَالْمَظَاهِرِ، وَحَسْبُكَ هَذَا الْإِيمَاءُ مِنْ حِكْمَةِ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ مَبَاحِثُ لِعُلَمَاءِ الْآثَارِ، وَجَوْلَاتٌ لِلنُّظَّارِ، نَذْكُرُ الْمُهِمَّ مِنْهَا فِي فُصُولٍ:

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 382
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست