responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 345
بِحَذْفِهَا وَالْبَاقُونَ بِإِثْبَاتِهَا، وَهِيَ لُغَاتٌ لِلْعَرَبِ مَعْرُوفَةٌ، وَمِنْ شَوَاهِدَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (2: 211) أَصْلُهَا: اسْأَلْ. وَمِنْهَا فِي الشِّعْرِ
إِنْ لَمْ أُقَاتِلْ فَالْبِسُونِي بُرْقُعًا
أَصْلُهُ فَأَلْبِسُونِي.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلًا قَبْلَهُ إِلَى أُمَمٍ قَبْلَ أُمَّتِهِ فَكَانُوا أَرْسَخَ مِنْ قَوْمِهِ فِي الشِّرْكِ وَأَشَدَّ مِنْهُمْ إِصْرَارًا عَلَى الظُّلْمِ، فَإِنَّ قَوْمَهُ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى وَحْدَهُ عِنْدَ شِدَّةِ الضِّيقِ وَيَنْسَوْنَ مَا اتَّخَذُوهُ مِنْ دُونِهِ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَنْدَادِ، وَأَمَّا تِلْكَ الْأُمَمُ فَلَمْ تُلِنِ الشَّدَائِدُ قُلُوبَهُمْ، وَلَمْ تُصْلِحْ مَا أَفْسَدَ الشَّيْطَانُ مِنْ فِطْرَتِهِمْ.
الْأَخْذُ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ عِبَارَةٌ عَنْ إِنْزَالِهِمَا بِهِمْ، وَأَخْذُ الشَّيْءِ يُطْلَقُ عَلَى حَوْزِهِ وَتَحْصِيلِهِ بِالتَّنَاوُلِ وَالْمِلْكِ أَوِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ، وَقَدْ يُسْنَدُ هَذَا إِلَى الْأَسْبَابِ غَيْرِ الْفَاعِلَةِ الْمُرِيدَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ - فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ - فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ - فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ. . الصَّاعِقَةُ. . الرَّجْفَةُ) وَالْبَأْسَاءُ: اسْمٌ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرْبِ وَالْمَشَقَّةِ. وَالْبَأْسُ: الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ، وَالْخَوْفُ فِي الشِّدَّةِ، وَالْعَذَابُ الشَّدِيدُ، وَالْقُوَّةُ، وَالشَّجَاعَةُ، وَالْبُؤْسُ، وَالْخُضُوعُ، وَالْفَقْرُ كَذَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَالَ الرَّاغِبُ: الْبُؤْسُ وَالْبَأْسُ. وَالْبَأْسَاءُ: الشِّدَّةُ وَالْمَكْرُوهُ، إِلَّا أَنَّ الْبُؤْسَ فِي الْفَقْرِ وَالْحَرْبِ أَكْثَرُ، وَالْبَأْسُ وَالْبَأْسَاءُ فِي النِّكَايَةِ، وَأَوْرَدَ الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ، وَالضَّرَّاءُ فَعْلَاءُ مِنَ الضُّرِّ - وَهُوَ ضِدُّ النَّفْعِ وَتُطْلَقُ عَلَى السَّنَةِ - أَيِ الْجَدْبِ - وَالْأَذَى وَسُوءِ الْحَالِ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا كَالسَّرَّاءِ مِنَ السُّرُورِ، وَهِيَ ضِدُّهَا الَّتِي
تُقَابِلُهَا كَالنَّعْمَاءِ، وَأَمَّا الضُّرُّ فَيُقَابِلُهُ النَّفْعُ، وَفَسَّرَ ابْنُ جَرِيرٍ الْبَأْسَاءَ بِشِدَّةِ الْفَقْرِ وَالضِّيقِ فِي الْمَعِيشَةِ، وَالضَّرَّاءَ بِالْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ الْعَارِضَةِ فِي الْأَجْسَامِ، وَنَقَلَ نَحْوَهُ الرَّازِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الْبَأْسَاءَ خَوْفُ السُّلْطَانِ وَغَلَاءُ السِّعْرِ، وَالْأَقْوَالُ فِي الْكَلِمَتَيْنِ مُتَقَارِبَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا - كَمَا أَفْهَمُ - أَنَّ الْبَأْسَاءَ مَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْأُمُورِ الشَّدِيدَةِ الْوَقْعِ عَلَى مَنْ يَمَسُّهُ تَأْثِيرُ الْحَرْبِ الْحَاضِرَةِ الْآنَ، فَإِنَّ وَقْعَهَا أَلِيمٌ شَدِيدٌ عَلَى مَنْ أُصِيبُوا بِفَقْدِ أَوْلَادِهِمْ، أَوْ تَخْرِيبِ بِلَادِهِمْ، أَوْ ضِيقِ مَعَايِشِهِمْ، وَأَمَّا الضَّرَّاءُ فَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْلِمُ النَّفْسَ أَلَمًا شَدِيدًا سَوَاءٌ كَانَ سَبَبُهُ نَفْسِيًّا أَوْ بَدَنِيًّا أَوْ خَارِجِيًّا - فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَأْسَاءُ مِنْ أَسْبَابِ الضَّرَّاءِ، وَقَالُوا: إِنَّهُمَا جَاءَتَا عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ، وَلَمْ يَرِدْ فِي مُذَكَّرِهِمَا وَزْنُ أَحْمَرَ صِفَةً، بَلْ وَرَدَ اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَالتَّضَرُّعُ إِظْهَارُ الضَّرَاعَةِ بِتَكَلُّفٍ أَوْ تَكَثُّرٍ، وَهِيَ الضَّعْفُ أَوِ الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: نُقْسِمُ أَنَّنَا قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَدَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيدِنَا وَعِبَادَتِنَا فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ ابْتِلَاءٍ وَاخْتِبَارٍ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُعِدًّا لَهُمْ لِلْإِيمَانِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ - بِحَسَبِ طِبَاعِ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقِهِمْ - مِنَ التَّضَرُّعِ وَالْجُؤَارِ بِالدُّعَاءِ لِرَبِّهِمْ، إِذْ مَضَتْ سُنَّتُنَا بِجَعْلِ الشَّدَائِدِ مُرَبِّيَةً لِلنَّاسِ بِمَا تُرْجِعُ الْمَغْرُورِينَ عَنْ غُرُورِهِمْ، وَتَكُفُّ الْفُجَّارَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 345
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست