responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 346
عَنْ فُجُورِهِمْ، فَمَا أَجْدَرَهَا بِإِرْجَاعِ أَهْلِ الْأَوْهَامِ، عَنْ دُعَاءِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ وَمَا دُونَهُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ، وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصِلُ إِلَى غَايَةٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفِسْقِ لَا يُزِيلُهَا بَأْسٌ، وَلَا يُزَلْزِلُهَا بُؤْسٌ، فَلَا تَنْفَعُ مَعَهُمُ الْعِبَرُ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِمُ الْغِيَرُ، وَكَانَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامُ مِنْهُمْ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ:
(فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) جَعَلَ ابْنُ جَرِيرٍ " لَوْلَا " هُنَا لِلتَّحْضِيضِ بِمَعْنَى " هَلَّا "، وَجَعَلَهَا الْجُمْهُورُ نَافِيَةً، أَيْ فَهَلَّا تَضَرَّعُوا خَاشِعِينَ لَنَا تَائِبِينَ إِلَيْنَا عِنْدَمَا جَاءَهُمُ الْبَئِيسُ مِنْ عَذَابِنَا، فَرَأَوْا بَوَادِرَهُ وَحَذِرُوا أَوَاخِرَهُ، لِنَكْشِفَهُ عَنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ بِهِمْ؟ أَوْ فَمَا خَشَعُوا وَلَا تَضْرَّعُوا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فَكَانَتْ أَقْسَى مِنَ الْحَجَرِ، إِذْ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا النُّذُرُ (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي بِمَا يُوَسْوِسُ إِلَيْهِمْ مِنْ تَحْسِينِ الثَّبَاتِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِمْ آبَاؤُهُمْ
وَأَجْدَادُهُمْ، وَتَقْبِيحِ الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ مِنْ قَبْلُ فِي تَزْيِينِ أَعْمَالِ النَّاسِ إِلَيْهِمْ وَمَا يُنْسَبُ مِنْهَا إِلَى الشَّيْطَانِ لِقُبْحِهِ، وَمَا يُنْسَبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعْبِيرٌ عَنْ خَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَسُنَنِهِ فِي عِبَادِهِ، وَمَا يُحْسِنُ إِسْنَادُهُ إِلَى الْمَجْهُولِ، فَيُرَاجِعُ فِي تَفْسِيرِ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ 3: 14) مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الثَّالِثِ [رَاجِعْ ص 196 وَمَا بَعْدَهَا ج 3 ط الْهَيْئَةِ] .
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كَلِّ شَيْءٍ) أَيْ: فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَمَّا أَنْذَرَهُمْ وَوَعَظَهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، وَتَرَكُوا الِاهْتِدَاءَ بِهِ حَتَّى نَسَوْهُ أَوْ جَعَلُوهُ كَالْمَنْسِيِّ فِي عَدَمِ الِاعْتِبَارِ وَالِاتِّعَاظِ بِهِ - لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَجُمُودِهِمْ عَلَى تَقْلِيدِ مَنْ قَبْلَهُمْ، بَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ بِمَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَبْوَابِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ سَعَةِ الرِّزْقِ وَرَخَاءِ الْعَيْشِ وَصِحَّةِ الْأَجْسَامِ وَالْأَمْنِ عَلَى الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قَوْمِ مُوسَى: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (7: 168) فَلَمْ يَتَرَبَّوْا بِالنِّعَمِ، وَلَا شَكَرُوا الْمُنْعِمَ، بَلْ أَفَادَتْهُمُ النِّعَمُ فَرَحًا وَبَطَرًا كَمَا أَفَادَتْهُمُ الشَّدَائِدُ قَسْوَةً وَأَشَرًا (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا) مِنْهَا، وَفَسَقُوا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ بَطَرًا وَغُرُورًا بِهَا (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) أَيْ: أَخَذْنَاهُمْ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ حَالَ كَوْنِنَا مُبَاغِتِينَ لَهُمْ أَوْ حَالَ كَوْنِهِمْ مَبْغُوتِينَ إِذْ فَجَأَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ أَمَارَةٍ وَلَا إِمْهَالٍ لِلِاسْتِعْدَادِ أَوْ لِلْهَرَبِ فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ، أَيْ مُتَحَسِّرُونَ يَائِسُونَ مِنَ النَّجَاةِ أَوْ هَالِكُونَ مُنْقَطِعَةٌ حُجَجُهُمْ، وَالْإِبْلَاسُ فِي اللُّغَةِ: الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ مِنَ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ، وَالتَّحَيُّرِ: الدَّهْشَةُ، وَانْقِطَاعُ الْحُجَّةِ، وَالسُّكُوتُ مِنَ الْحُزْنِ أَوِ الْخَوْفِ وَالْغَمِّ، وَاسْتَشْهَدُوا لَهُ بِقَوْلِ الْعَجَّاجِ:
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا ... قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ وَأَبْلَسَا
وَلِقَوْلِهِمْ: أَبْلَسَتِ النَّاقَةُ إِذَا لَمْ تَرْغُ مِنْ شِدَّةِ الضَّبَعَةِ، وَهِيَ بِالتَّحْرِيكِ شِدَّةُ شَهْوَةِ الْفَحْلِ، يُقَالُ: ضَبِعَتِ النَّاقَةُ ضَبَعًا وَضَبَعَةً (مِنْ بَابِ فَرِحَ) .

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 346
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست