responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 327
سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْجَامِعُ تَسْخِيرًا أَوِ اخْتِيَارًا، وَجَمْعُهَا أُمَمٌ. انْتَهَى. وَذَكَرَ بَعْدَهُ الْآيَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ: أَوْ صِفَاتٍ وَأَفْعَالٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ نَوْعٌ مَا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ أَنْوَاعِ الطَّيْرِ الَّتِي تَسْبَحُ فِي الْهَوَاءِ إِلَّا وَهِيَ أُمَمٌ مُمَاثِلَةٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، كَمَا يَقُولُ الْعَالِمُ بِالنَّبَاتِ: مَا مِنْ شَجَرَةٍ قَامَتْ عَلَى سَاقِهَا وَتَشَعَّبَتْ فِي الْهَوَاءِ أَغْصَانُهَا، وَلَا نَجْمٌ نَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ إِلَّا فَصَائِلُ لَهَا صِفَاتٌ وَخَوَاصُّ مُشْتَرِكَةٌ يَمْتَازُ بِهَا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ، فَالدَّابَّةُ وَالطَّائِرُ هُنَا مُفْرِدٌ اللَّفْظَ مُرَادٌ بِهِ الْجِنْسُ اللُّغَوِيُّ ; تَقُولُ: طَائِرُ الْحَمَامِ وَطَائِرُ النَّحْلِ، وَدَابَّةُ الْحَمِيرِ وَدَابَّةُ الْأَرْضِ، كَمَا تَقُولُ: شَجَرَةُ التِّينِ وَشَجَرَةُ الزَّقُّومِ، وَنَاهِيكَ بِوَصْفِ الدَّابَّةِ بِكَوْنِهَا فِي الْأَرْضِ، وَوَصْفِ الطَّائِرِ بِكَوْنِهِ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ فَهُوَ يَشْعُرُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الطَّائِرِ بِمَا ذَكَرَ تَنْصِيصٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَسَدٌّ لِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَقَدَ تَجَوَّزُوا بِالطَّيَرَانِ عَنِ السُّرْعَةِ، كَمَا قَالَ الْحَمَاسِيُّ:
قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ ... طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوِحْدَانَا.
وَلِاحْتِمَالِ التَّجَوُّزِ بِدُونِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ مُنَاسِبَةٌ قَوِيَّةٌ وَهِيَ عَطْفُ الطَّائِرِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذْ هِيَ مِنَ الدَّبِّ الَّذِي هُوَ الْمَشْيُ الْخَفِيفُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُقَابِلُهُ السَّرِيعُ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالطَّيَرَانِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِوَصْفِ الطَّائِرِ بِمَا ذَكَرَ نُكْتَةً أُخْرَى وَهِيَ تَصْوِيرُ هَيْئَةِ الطَّيَرَانِ الْغَرِيبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَةِ الْبَارِي وَحَكْمَتِهِ لِذِهْنِ السَّامِعِ وَالْقَارِئِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ، وَلَا تَزَاحُمَ بَيْنَ النُّكَتِ الْمُتَّفِقَةِ، وَلَا بَيْنَ الْحِكَمِ الْمُؤْتَلِفَةِ، وَيَرَى الْكَثِيرُونَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِ كَلِمَتَيْ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُمَا وَهُوَ
الدَّلَالَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْأَفْرَادِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهَا بِالْأُمَمِ بِاعْتِبَارِ الْحَمْلِ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْعُمُومِ.
وَأَمَّا السَّمَكُ فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الطَّيْرِ مِنْهُ إِلَى الدَّوَابِّ، وَلَهُ أَجْنِحَةٌ قَدْ تُسَمَّى الزَّعَانِفُ أَكْثَرُهَا صَغِيرٌ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرٌ كَجَنَاحِ الْخُفَّاشِ، وَهُوَ يَطِيرُ فِي الْمَاءِ غَالِبًا وَعَلَى سَطْحِهِ أَحْيَانًا، وَقَدْ يُسِفُّ إِلَى قَاعِهِ فَيُلَاصِقُ أَرْضَهُ فِي سَيْرِهِ فَيَكُونُ أَشْبَهَ بِالزَّاحِفِ مِنْهُ بِالطَّائِرِ، وَلَعَلَّ حِكْمَةَ تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِهِ قِلَّةُ مَنْ كَانَ يَرَاهُ مِمَّنْ نَزَلَتِ السُّورَةُ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِقَامَةِ الدَّلَائِلِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ، وَلِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى خَصَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَرَاهَا الْمُخَاطَبُونَ عَامَّةً، وَيُدْرِكُونَ فِيهَا مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ دُونَ دَوَابِّ الْأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، الْقَابِلَةِ لِلْحَيَاةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، الَّتِي أَعْلَمَنَا بِوُجُودِهَا فِي قَوْلِهِ (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) (42: 29) فَهِيَ قَدْ ذُكِرَتْ هُنَا بِالتَّبَعِ لِذِكْرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَكَانَ الْإِعْلَامُ بِهَا نَافِلَةً وَفَائِدَةً زَائِدَةً عَلَى مَا يَقُومُ بِهِ دَلِيلُ الْآيَةِ، وَهِيَ مِنْ أَخْبَارِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَرَدَتْ بِعِبَارَةٍ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 327
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست