responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 321
قَالُوا: إِنَّ الِاسْتِجَابَةَ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ مُجِيبٌ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: وَالِاسْتِجَابَةُ قِيلَ: هِيَ الْإِجَابَةُ، وَحَقِيقَتُهَا هِيَ التَّحَرِّي لِلْجَوَابِ وَالتَّهَيُّؤِ لَهُ لَكِنْ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْإِجَابَةِ لِقِلَّةِ انْفِكَاكِهَا مِنْهَا. انْتَهَى. وَهَذَا مِنْ دَقَائِقَ تَحْدِيدِهِ لِلْمَعَانِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهِ، وَحَقِيقَةُ الْجَوَابِ وَالْإِجَابَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ - قَطَعَ الصَّوْتَ أَوِ الشَّخْصَ الْجَوْبَ أَوِ الْجَوْبَةَ وَهِيَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْبُيُوتِ أَوِ الْحُفْرَةُ، وَوُصُولُهُ إِلَى الدَّاعِي أَيْ: وُصُولُ مَا سَأَلَهُ إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا الِاسْتِجَابَةُ فَهِيَ التَّهَيُّؤُ لِلْجَوَابِ أَوْ لِلْإِجَابَةِ أَيِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلشُّرُوعِ وَالْمُضِيِّ فِيهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَغَايَتُهُ الْإِجَابَةُ التَّامَّةُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ عَلَى مَعْنَاهُمَا، وَمَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي اسْتِعْمَالِ الصِّيغَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ أَفْعَالَ الْإِجَابَةِ كُلَّهَا قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُفِيدَةِ لِحُصُولِ السُّؤَالِ كُلِّهِ بِالْفِعْلِ حَقِيقَةً أَوِ ادِّعَاءً دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُ الْإِجَابَةُ بِالْقَوْلِ كَقَوْلِكَ: نَعَمْ، وَبَلَى، وَلَبَّيْكَ، وَلَكَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الِاسْتِجَابَةَ قَدْ ذُكِرَتْ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُفِيدَةِ لِحُصُولِ السُّؤَالِ بِالْقُوَّةِ أَوِ التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) (3: 172) فَهُوَ قَدْ نَزَلَ فِي تَهَيُّؤِ الْمُؤْمِنِينَ لِلْقِتَالِ فِي حَمْرَاءِ الْأَسَدِ بَعْدَ أُحُدٍ، أَوْ بِالْفِعْلِ التَّدْرِيجِيِّ، كَاسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ الدِّينِ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْقَبُولِ وَالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ تَكُونُ سَائِرُ الْأَعْمَالِ بِالتَّدْرِيجِ وَشَوَاهِدُهُ كَثِيرَةٌ، وَالِاسْتِجَابَةُ مِنَ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يُعَبَّرُ بِهَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي تَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيَكُونُ الشَّأْنُ فِيهَا أَنْ تَقَعَ بِالتَّدْرِيجِ كَاسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ بِالْوِقَايَةِ مِنَ النَّارِ، وَبِالْمَغْفِرَةِ وَتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَإِيتَاءِ مَا وَعَدَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ تَعَالَى بَعْدَ حِكَايَةِ هَذَا الدُّعَاءِ بِذَلِكَ عَنْ أُولِي الْأَلْبَابِ: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) (3: 195) إِلَخْ. وَكَاسْتِجَابَتِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي بَدْرٍ بِإِمْدَادِهِمْ بِالْمَلَائِكَةِ تُثَبِّتُهُمْ كَمَا فِي " سُورَةِ الْأَنْفَالِ " (8: 9 - 12) وَمِنْ ذَلِكَ اسْتِجَابَتُهُ لِأَيُّوبَ وَذِي النُّونِ وَزَكَرِيَّا عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَمَا فِي " سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ " (21: 83، 90) كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِالتَّدْرِيجِ فِي الِاسْتِقْبَالِ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ حِينَ دَعَوْا عَلَى فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا) (10: 89) فَهُوَ تَبْشِيرٌ لَهُمَا بِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَبِلَهَا بِالْفِعْلِ. وَهَذَا مِنَ الْإِجَابَةِ الْقَوْلِيَّةِ جَاءَتْ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلْإِيذَانِ بِتَحَقُّقِ مَضْمُونِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَتَّى كَأَنَّهَا أُجِيبَتْ وَانْتَهَى أَمْرُهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى تُؤَدِّيهِ مَادَّةُ الْإِجَابَةِ دُونَ مَادَّةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَلَوْ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِصِيغَةِ الْحِكَايَةِ لِعَبَّرَ عَنْ إِعْطَائِهِمَا مَا سَأَلَا بِلَفْظِ الِاسْتِجَابَةِ كَمَا قَالَ فِي شَأْنِ كُلٍّ مِنْ أَيُّوبَ وَذِي النُّونِ وَزَكَرِيَّا (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ) فَيَالِلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ هَذِهِ الدِّقَّةِ وَالْبَلَاغَةِ فِي هَذَا الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ الْمُعْجِزِ لِلْبَشَرِ حَتَّى فِي وَضْعِ مُفْرَدَاتِهِ فِي مَوَاضِعِهَا، دَعْ بَلَاغَةَ أَسَالِيبِهِ، وَجُمَلِهِ، وَعُلُومِهِ، وَحِكَمِهِ، وَمَا فِيهِ مِنْ أَخْبَارِ الْغَيْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ. هَذَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الِاسْتِجَابَةِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالِاسْتِجَابَةِ هُوَ أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ تَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ مَنْقُولٌ وَلَا مَعْقُولٌ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 321
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست