responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 320
زِيَادَةَ الْعِلْمِ، وَكَانَ يَزِيدُهُ كُلَّ يَوْمٍ عِلْمًا وَكَمَالًا بِتَنْزِيلِ الْقُرْآنِ وَبِفَهْمِهِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الذَّمَّ قَبْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُذَمُّ مُطْلَقًا هُوَ الْجَهْلُ الْمُرَادِفُ لِلسَّفَهِ وَهُوَ ضِدُّ الْحِلْمِ.
وَيُشْبِهُ مَا هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى لِنُوحٍ حِينَ طَلَبِ نَجَاةَ ابْنِهِ الْكَافِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ الَّذِينَ وَعَدَهُ اللهُ بِإِنْجَائِهِمْ مَعَهُ: (يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (11: 46) أَيْ بِإِدْخَالِ وَلَدِكَ الْكَافِرِ فِي عُمُومِ أَهْلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا اقْتَرَنَ النَّهْيُ هُنَا بِالْوَعْظِ لِأَنَّ عَاطِفَةَ الرَّحْمَةِ الْوَالِدِيَّةِ حَمَلَتْهُ عَلَى سُؤَالِ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ اعْتِمَادًا عَلَى اسْتِنْبَاطٍ اجْتِهَادِيٍّ غَيْرِ صَحِيحٍ، وَرَحْمَةُ خَاتَمِ الرُّسُلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَعَمَّ وَأَشْمَلَ، وَغَايَةُ مَا تُشِيرُ إِلَيْهِ الْآيَةُ أَنَّهُ تَمَنَّى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ، وَلَوْ سَأَلَ لَسَأَلَ آيَةً يَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّ مِنْ قَوْمِهِ، لَا نَجَاةَ الْكَافِرِ مِنْ أَهْلِهِ، فَاكْتَفَى فِي إِرْشَادِهِ بِالنَّهْيِ وَحَسُنَ فِي إِرْشَادِ نُوحٍ التَّصْرِيحُ بِالْوَعْظِ.
(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) .
بَيِّنَ لَنَا تَعَالَى فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى الْهُدَى وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَجْعَلَ الْبَشَرَ مَفْطُورِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا أَنْ يُلْجِئَهُمْ إِلَيْهِ إِلْجَاءً بِالْآيَاتِ الْقَاسِرَةِ، بَلِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وَمَضَتْ سُنَّتُهُ فِي الْبَشَرِ بِأَنْ يَكُونُوا مُتَفَاوِتِينَ فِي الِاسْتِعْدَادِ، عَامِلِينَ بِالِاخْتِيَارِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ الْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، ثُمَّ بَيَّنَ لَنَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلِينَ هُمُ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ فِي الْآيَاتِ، وَيَعْقِلُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، وَأَنَّ الْآخِرِينَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَنْظُرُونَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) يُقَالُ: أَجَابَ الدَّعْوَةَ إِذَا أَتَى مَا دُعِيَ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَجَابَ الدَّاعِيَ إِذَا لَبَّاهُ وَقَامَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ: اسْتَجَابَ لَهُ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ، وَاسْتَجَابَ دُعَاءَهُ وَكَذَا اسْتَجَابَهُ. نَعْرِفُ مِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ فِي رِثَاءِ أَخِيهِ:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النِّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 320
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست