responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 305
أَوْ مِنْ قَبِيلِ اللهْوِ فِي كَوْنِهِ دَفْعًا لِأَلَمِ الْهَمِّ وَالْكَدَرِ، أَوْ ضَجَرِ الشَّقَاءِ وَالتَّعَبِ، دَعْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْمَعَاصِي الْمُفْضِيَةِ إِلَى عَذَابِ الْأَخَرَةِ، ذَلِكَ بِأَنَّ نَعِيمَ الْآخِرَةِ الْبَدَنِيَّ أَعْلَى وَأَكْمَلُ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا فِي ذَاتِهِ، وَفِي دَوَامِهِ وَثَبَاتِهِ، وَفِي كَوْنِهِ إِيجَابِيًّا لَا سَلْبِيًّا، وَفِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَشُوبٍ وَلَا مُنَغَّصٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْآلَامِ، وَفِي كَوْنِهِ لَا يَعْقُبُهُ ثِقْلٌ، وَلَا مَرَضٌ، وَلَا إِزَالَةٌ أَقْذَارٍ، فَمَا الْقَوْلُ بِنَعِيمِهَا الرُّوحَانِيِّ مِنْ لِقَاءِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ، وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِرُؤْيَتِهِ؟ أَيْ أَتُغْفِلُونَ فَلَا تَعْقِلُونَ هَذَا الْفَرْقَ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِالْآخِرَةِ؟ أَمَا لَوْ عَقَلْتُمْ لَآمَنْتُمْ.
قَالَ الْمُنَجِّمُ وَالطَّبِيبُ كِلَاهُمَا ... لَا تُبْعَثُ الْأَمْوَاتُ قُلْتُ إِلَيْكُمَا
إِنْ صَحَّ قَوْلُكُمَا فَلَسْتُ بِخَاسِرٍ ... أَوْ صَحَّ قَوْلِي فَالْخَسَارُ عَلَيْكُمَا.
قَرَأَ ابْنُ عَارِمٍ (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) بِإِضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ لِمُغَايَرَتِهَا لَهُ، وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ النُّحَاةِ فِي وُقُوعِ مِثْلِ هَذَا فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ، وَحَسْبُكَ وُرُودُهُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْكُوفِيُّونَ وَالْبَصْرِيُّونَ فِي اطِّرَادِهِ وَطَرِيقَةِ إِعْرَابِهِ، فَالْأَوَّلُونَ يُعْرِبُونَهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَالْآخَرُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ إِلَّا بِمُسَوِّغٍ، وَهُوَ هُنَا اسْتِعْمَالُ " الْآخِرَةِ " اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى) (93: 4) أَوْ مُرَاعَاةُ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَلَدَارُ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَصِحُّ تَقْدِيرُ النَّشْأَةِ أَيْضًا، وَقَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ " يَعْقِلُونَ " بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ مُرَاعَاةً لِلْغَيْبَةِ، وَبَعْضُهُمْ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ لِلْخِطَابِ.
وَمِنْ مَبَاحِثِ نُكَتِ الْبَلَاغَةِ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي " سُورَةِ مُحَمَّدٍ ": (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ) (47: 36) وَقَوْلُهُ فِي " سُورَةِ الْحَدِيدِ ": (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) (57: 20) وَقَدْ قَدَّمَ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ
اللَّعِبَ عَلَى اللهْوِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي " سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ ": (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (29: 64) وَقَدْ قَدَّمَ فِي هَذِهِ ذِكْرَ اللهْوِ عَلَى اللَّعِبِ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُعْنَوْنَ بِبَيَانِ نُكْتَةٍ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ لَا يُفِيدُ تَرْتِيبًا، بَلْ مُطْلَقَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَقَعُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى إِلَّا لِفَائِدَةٍ، وَقَدْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْأَلُوسِيُّ فِي " رُوحِ الْمَعَانِي " كَلَامًا رَكِيكًا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ عَزَاهُ إِلَى الدُّرَّةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَهُ مَوْلَانَا شِهَابُ الدِّينِ فَلْيُفْهَمْ، وَهُوَ أَمْرٌ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ فَهْمِ ذَلِكَ الْكَلَامِ الْمُضْطَرِبِ الْمُبْهَمِ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ لَنَا فِي نُكْتَةِ ذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ اللَّعِبِ عَلَى اللهْوِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْمُقَدَّمُ فِي الْوُجُودِ، وَقَدْ فَصَّلَتْ آيَةُ الْحَدِيدِ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْفِطْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ، فَقَدَّمَ فِيهَا اللَّعِبَ لِأَنَّ أَوَّلَ عَمَلٍ لِلطِّفْلِ يَلَذُّ لَهُ هُوَ اللَّعِبُ الْمَقْصُودُ عِنْدَهُ لِذَاتِهِ،

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 305
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست