responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 266
(النَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَمْنَحُهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ التَّثْبِيتِ فِي الْحَقِّ وَالْإِلْهَامِ لِمَنْ دُونَ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ خِيَارِ خَلْقِهِ الَّذِينَ سَلِمَتْ فِطْرَتُهُمْ، وَصَفَتْ سَرِيرَتُهُمْ، وَزَكَتْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ أَنْفُسُهُمْ، حَتَّى غَلَبَتْ فِيهَا الصِّفَاتُ الْمَلَكِيَّةُ عَلَى النَّزَعَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّزَعَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ، فَالْأَرْوَاحُ الْبَشَرِيَّةُ الْعَالِيَةُ قَدْ تُقَوِّي الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ فَتَسْتَفِيدَ مِنْ أَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ قُوَّةً فِي الْخَيْرِ وَالْحَقِّ وَثَبَاتًا عَلَى الصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) (8: 12) وَقَدْ تَسْتَفِيدُ مِنْهَا عِلْمًا بِالْحَقِّ وَبِشَارَةً بِالْخَيْرِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى التَّحْدِيثُ وَالْإِلْهَامُ، وَمِنْهُ بِشَارَةُ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَمَثُّلُ جِبْرِيلَ لَهَا عِنْدَمَا أَرَادَ اللهُ أَنْ تَحْمِلَ بِنَفْخِهِ فِيهَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ مِنَ الْمُحَدَّثِينَ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ مَلَكِ الْإِلْهَامِ بِأَنَّهُ " وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ " وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ، وَيُوَضِّحُهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى
فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ، وَعَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالصِّحَّةِ.
وَقَدْ أَطَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي إِيضَاحِ هَذَا الْمَطْلَبِ فِي كِتَابِ شَرْحِ عَجَائِبِ الْقَلْبِ مِنَ الْإِحْيَاءِ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ بَحْثٌ فِيهِ، وَالْمَادِّيُّونَ الْمَحْجُوبُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا " وَمَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ " وَلَوْ قِيلَ لِمَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ قَبْلَ كَشْفِهِمْ عَنْ نَسَمَةِ هَذِهِ الْجِنَّةِ (الْمَيْكُرُوبَاتِ) إِنَّ فِي الْعَالَمِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرَاهَا أَحَدٌ بِعَيْنِهِ هِيَ سَبَبُ الْأَدْوَاءِ وَالْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَهِيَ سَبَبِ التَّغَيُّرَاتِ وَالِاخْتِمَارَاتِ الَّتِي نَرَاهَا فِي الْمَائِعَاتِ وَالْفَوَاكِهِ وَغَيْرِهَا لَقَالُوا: إِنَّمَا هَذِهِ خُرَافَةٌ مِنَ الْخُرَافَاتِ، وَقَدْ كَانَ غَيْرُ الْمُسْلِمُونَ يَعُدُّونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى " الطَّاعُونُ وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَهُوَ لَكُمْ شَهَادَةٌ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، ثُمَّ صَارُوا بَعْدَ اكْتِشَافِ بَاشْلس الطَّاعُونَ يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ بِصِدْقِ كَلِمَةِ " الْجِنِّ " عَلَى مَيكْرُوبِ الطَّاعُونِ كَغَيْرِهِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْجِنَّ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَخَشَاشِ الْأَرْضِ.
وَقَدْ بَيَّنَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ أَكْمَلَ بَيَانٍ، بِأَوْضَحِ بُرْهَانٍ، وَاخْتَصَرَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي فَقَالَ:
" أَمَّا أَرْبَابُ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ السَّامِيَةِ مِنَ الْعُرَفَاءِ، مِمَّنْ لَمْ تَدْنُ مَرَاتِبُهُمْ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَكِنَّهُمْ رَضُوا أَنْ يَكُونُوا لَهُمْ أَوْلِيَاءَ، وَعَلَى شَرْعِهِمْ وَدَعْوَتِهِ أُمَنَاءَ: فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ نَالَ حَظَّهُ مِنَ الْأُنْسِ، بِمَا يُقَارِبُ تِلْكَ الْحَالَ فِي النَّوْعِ أَوِ الْجِنْسِ، لَهُمْ مُشَارَفَةٌ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَلَهُمْ مَشَاهِدُ صَحِيحَةٌ فِي عَالَمِ الْمِثَالِ لَا تُنْكَرُ عَلَيْهِمْ لِتَحَقُّقِ حَقَائِقِهَا فِي الْوَاقِعِ، فَهُمْ لِذَلِكَ لَا يَسْتَبْعِدُونَ شَيْئًا مِمَّا يُحَدَّثُ بِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 266
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست