responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 259
إِسْحَاقَ مَا قَدْ يُعَدُّ سَبَبًا لِنُزُولِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ قَالَ: " دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَلَّمَهُمْ فَأَبْلَغَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَالنَّضِرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ وَعَبَدَةُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ
وَأُبَيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهَبٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ: لَوْ جُعِلَ مَعَكَ يَا مُحَمَّدٌ مَلَكٌ يُحَدِّثُ عَنْكَ النَّاسَ وَيُرَى مَعَكَ فَأَنْزَلَ اللهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي (لُبَابِ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ) وَاقْتِرَاحُ مُعَانِدِي الْمُشْرِكِينَ إِنْزَالُ الْمَلَكِ مَعَ الرَّسُولِ ذُكِرَ فِي الْفُرْقَانِ وَهُودٍ وَالْإِسْرَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السُّوَرَ الثَّلَاثَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْأَنْعَامِ، وَالْأَنْعَامُ نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا فَمَا فِيهَا مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا هُوَ رَدٌّ عَلَى شُبْهَةٍ سَبَقَتْ لَهُمْ وَحُكِيَتْ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ اقْتِرَاحُ إِنْزَالِ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنْزَالِ الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فِي الْفُرْقَانِ.
كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَجَّبُ مِنْ كُفْرِ قَوْمِهِ بِهِ وَبِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَعَ وُضُوحِ بُرْهَانِهِ وَظُهُورِ إِعْجَازِهِ، وَكَانَ يَضِيقُ صَدْرُهُ لِذَلِكَ وَيَنَالُ مِنْهُ الْحُزْنُ وَالْأَسَفُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) (11: 12) وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُبَيِّنُ لَهُ أَسْبَابَ ذَلِكَ وَمَنَاشِئَهُ مِنْ طِبَاعِ الْبَشَرِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَاخْتِلَافِ اسْتِعْدَادِهِمْ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحُجَّةَ مَهْمَا تَكُنْ نَاهِضَةً، وَالشُّبْهَةَ مَهْمَا تَكُنْ دَاحِضَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَانْحَسَرَتْ عَنْهُ غُمَّةُ الشُّبْهَةِ، إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُسْتَعِدًّا لَهُ، وَزَالَتْ مَوَانِعُ الْكِبْرِ وَالْعِنَادِ أَوِ التَّقْلِيدِ عَنْهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) جَاءَ بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الْوَارِدَةِ بِأُسْلُوبِ الْحِكَايَةِ وَضَمَائِرِ الْغَيْبَةِ مُبَيِّنًا هَذَا الْمَعْنَى لِلرَّسُولِ بِأُسْلُوبِ الِالْتِفَاتِ إِلَى خِطَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عِلَّةَ تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ إِنَّمَا هِيَ إِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْآيَاتِ، وَمَا أَقْفَلُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، لَا خَفَاءُ الْآيَاتِ فِي نَفْسِهَا، وَلَا قُوَّةُ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تَحُولُ حَوْلَهَا، أَلَمْ تَرَ أَنَّ آيَاتِ التَّوْحِيدِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ هِيَ أَظْهَرُ الْآيَاتِ وَأَكْثَرُهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِهَا مُبَالَغَةُ الْكِتَابِ الْمُعْجِزِ فِي تَقْرِيرِهَا، لَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فِي قِرْطَاسٍ كَمَا اقْتَرَحُوا فَرَأَوْهُ نَازِلًا مِنْهَا بِأَعْيُنِهِمْ، وَلَمَسُوهُ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ بِأَيْدِيهِمْ، لَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ كُفْرَ الْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ: مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْنَا وَلَمَسْنَا إِلَّا سِحْرٌ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ، ثَابِتٌ فِي نَوْعِهِ، وَإِنَّمَا خُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّنَا رَأَيْنَا كِتَابًا وَلَمَسْنَاهُ، وَمَا ثَمَّ كِتَابٌ نَزَلَ، وَلَا قِرْطَاسٌ رُئِيَ وَلَا لُمِسَ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَمْثَالُهُمْ فِي آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلُ، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست