responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 260
الْكِتَابُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ كَالْكِتَابَةِ، وَيُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ، فَيُطْلَقُ عَلَى الصَّحِيفَةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَلَى مَجْمُوعَةِ الصُّحُفِ فِي مَقْصِدٍ وَاحِدٍ، وَالْقِرْطَاسُ بِكَسْرِ الْقَافِ (وَتُفْتَحُ وَتُضَمُّ لُغَةٌ) الْوَرَقُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ، وَقِيلَ: هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكْتُوبِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي قِرْطَاسٍ) صِفَةٌ لَهُ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَاللَّمْسُ كَالْمَسِّ. إِدْرَاكٌ بِظَاهِرِ الْبَشْرَةِ. كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمَسُّ بِالْيَدِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَسُّ بِظَاهِرِ الْبَشْرَةِ وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْوِقَاعِ كَالْمُلَامَسَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ اللَّمْسِ بِالْيَدِ وَقَلَّمَا يَقَعُ بِالْقَدَمِ، أَوِ السَّاعِدِ مَثَلًا تَوَهَّمَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَسِّ الْيَدِ، وَتَقْيِيدُ اللَّمْسِ فِي الْآيَةِ بِالْأَيْدِي بِعَيْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ بِدَفْعِ احْتِمَالِ التَّجَوُّزِ بِهِ، إِذِ اللَّمْسُ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا بِمَعْنَى طَلَبِ الشَّيْءِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ، يُقَالُ: لَمَسَهُ وَالْتَمَسَهُ وَتَلَمَّسَهُ، بِهَذَا الْمَعْنَى، وَمِنْهُ (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ) (72: 8) وَيَسْتَلْزِمُ لَمْسُهُ بِالْأَيْدِي رُؤْيَتَهُ بِالْأَبْصَارِ، قَالَ قَتَادَةُ: فَعَايَنُوهُ وَمَسُّوهُ بِأَيْدِيهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَمَسُّوهُ وَنَظَرُوا إِلَيْهِ، وَالرُّؤْيَةُ وَاللَّمْسُ أَقْوَى الْيَقِينِيَّاتِ الْحِسِّيَّةِ وَأَبْعَدُهَا عَنِ الْخِدَاعِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا اجْتَمَعَا، وَالثِّقَةُ بِاللَّمْسِ أَقْوَى لِأَنَّ الْبَصَرَ قَدْ يُخْدَعُ بِالتَّخَيُّلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (15: 14، 15) وَلَكِنَّ مُكَابَرَةَ الْحِسِّ بَعْدَ اجْتِمَاعِ أَقْوَى إِدْرَاكَيْهِ وَهُمَا الرُّؤْيَةُ وَاللَّمْسُ وَتَقْوِيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ قَلَّمَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ جَاحِدٍ مُعَانِدٍ مُسْتَكْبِرٍ، أَوْ مِنْ مُقَلِّدٍ أَعْمَى لَا تَتَوَجَّهُ نَفْسُهُ إِلَى مَعْرِفَةِ شَيْءٍ يُخَالِفُ مَا تَقَلَّدَهُ مِنْ آبَائِهِ وَقَوْمِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنَيَّرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ فَائِدَةَ زِيَادَةِ لَمْسِهِ بِأَيْدِيهِمْ تَحْقِيقُ الْقِرَاءَةِ عَلَى قُرْبٍ، أَيْ فَقَرَءُوهُ وَهُوَ بِأَيْدِيهِمْ لَا بَعِيدٌ عَنْهُمْ لَمَا آمَنُوا، انْتَهَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ، وَتَخْيِيلٌ يَرَى مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي صُورَةِ الْحَقَائِقِ، وَيَقُولُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ: إِنَّ السِّحْرَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ إِنَّمَا هُوَ فِي اخْتِلَافِ حَالِ مَنْ تَصْدُرُ الْخَوَارِقُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، لَا فِي كَوْنِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ حَقًّا وَكَوْنِ السِّحْرِ بَاطِلًا، وَالْآيَةُ تُبْطِلُ هَذَا الْقَوْلَ وَلَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهَا عَلَيْهِ، إِذْ يَكُونُ مَعْنَى دَفْعِ الْمُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ: مَا هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَرَحْنَا إِلَّا خَارِقَةً مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَا رَيْبَ فِيهَا. وَلَكِنَّهَا صَدَرَتْ عَلَى يَدِ سَاحِرٍ، فَهِيَ إِذًا مِنَ السِّحْرِ، لَا عَلَى يَدِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ حَتَّى تُسَمَّى آيَةٌ أَوْ مُعْجِزَةٌ، فَيَكُونُ حَاصِلُهُ الطَّعْنَ فِي شَخْصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْكَارَ ادِّعَائِهِ النُّبُوَّةَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ عَلَى كَوْنِ عِبَارَةِ الْآيَةِ تَتَبَرَّأُ مِنَ احْتِمَالِ دُنُوِّهِ مِنْهَا أَوْ دُخُولِهِ عَلَيْهَا مِنْ أَحَدِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ (الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ، وَالْكِنَايَةِ) وَلَعَلَّهُ لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ أَحَدٍ يَفْهَمُ الْعَرَبِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شِيعَةِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ الَّذِي فَسَّرَ السِّحْرَ بِمَا ذَكَرَ خِلَافًا لِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست