responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 254
مُصَرَّحًا بِهِ فِي سُورَةٍ أُخْرَى مِنَ اسْتِهْزَاءِ مُشْرِكِي مَكَّةَ وَالْكَلَامِ فِيهِمْ بِوَعْدِ اللهِ وَوَعِيدِهِ، وَكَذَا بِآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ، فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ مِنْ بَدَائِعِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ اسْتِهْزَائِهِمْ وَاسْتِهْزَاءُ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْكَفَّارِ بِالرُّسُلِ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَإِنْذَرِهِمْ عَاقِبَةَ هَذَا الِاسْتِهْزَاءِ فِي آيَاتٍ وَبَيَانِ نُزُولِ الْعَذَابِ
بِهِمْ فِي آيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ: (وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) وَهُوَ فِي سُورَةِ هُودٍ: 8 وَالنَّحْلِ 16: وَالْأَنْبِيَاءِ وَالزُّمَرِ: 48 وَأَكْثَرِ الْحَوَامِيمِ.
جَاءَ الْوَعِيدُ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ هُنَا بِحَرْفِ التَّسْوِيفِ. وَجَاءَ فِي آيَتَيْنِ مِثْلِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي أَوَّلِ الشُّعَرَاءِ بِحَرْفِ التَّنْفِيسِ. وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (26: 5، 6) وَقَدْ حُذِفَ هُنَا مَفْعُولُ كَذَّبُوا، وَذَكَرَ السَّيِّدُ الْآلُوسِيُّ فِي رُوحِ الْمَعَانِي تَعْلِيلَ ذَلِكَ بِمَا نَصُّهُ: وَفِي الْبَحْرِ إِنَّمَا قَيَّدَ الْكَذِبَ بِالْحَقِّ هُنَا وَكَانَ التَّنْفِيسُ بِسَوْفَ وَفِي الشُّعَرَاءِ (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ) بِدُونِ تَقْيِيدِ الْكَذِبِ، وَالتَّنْفِيسُ بِالسِّينِ لِأَنَّ الْأَنْعَامَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي النُّزُولِ عَلَى الشُّعَرَاءِ، فَاسْتَوْفَى فِيهَا اللَّفْظَ وَحَذَفَ مِنَ الشُّعَرَاءِ وَهُوَ مُرَادُ إِحَالَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ نَاسَبَ الْحَذْفُ الِاخْتِصَارَ فِي حَرْفِ التَّنْفِيسِ فَجِيءَ بِالسِّينِ اهـ.
أَقُولُ: وَيَحْسُنُ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِعْلُ الِاسْتِقْبَالِ الْمَقْرُونِ بِسَوْفَ أَبْعَدَ زَمَانًا مِنَ الْمَقْرُونِ بِالسِّينِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ فِيمَا نَزَلَ أَوَّلًا وَالثَّانِي فِيمَا نَزَلَ آخِرًا.
وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: اعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى رَتَّبَ أَحْوَالَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: (فَالْمَرْتَبَةُ الْأُولَى) كَوْنُهُمْ مُعْرِضِينَ عَنِ التَّأَمُّلِ فِي الدَّلَائِلِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْبَيِّنَاتِ، (وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) كَوْنُهُمْ مُكَذِّبِينَ بِهَا، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ أَزْيَدُ مِمَّا قَبْلَهَا لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنِ الشَّيْءِ قَدْ لَا يَكُونُ مُكَذِّبًا بِهِ، بَلْ يَكُونُ غَافِلًا عَنْهُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لَهُ، فَإِذَا صَارَ مُكَذِّبًا بِهِ فَقَدْ لَا يَبْلُغُ تَكْذِيبُهُ بِهِ إِلَى حَدِّ الِاسْتِهْزَاءِ. فَإِذَا بَلَغَ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فِي الْإِنْكَارِ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ وَصَلُوا إِلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الثَّلَاثِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ اهـ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ عِبْرَةٌ لَنَا فِي حَالِ الَّذِينَ أَضَاعُوا الدِّينَ، مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ الْجَامِدِينَ، وَأَهْلِ التَّفَرْنُجِ الْمُلْحِدِينَ، فَهِيَ تُنَادِي بِقُبْحِ التَّقْلِيدِ وَتُصَرِّحُ بِوُجُوبِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَبِأَنَّ التَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ وَالْحِرْمَانَ مِنْهُ مَعْلُولٌ لِلْإِعْرَاضِ عَنْهَا، وَتُثْبِتُ أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسِ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، لَا كَالْأَدْيَانِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى وَعْثِ التَّقْلِيدِ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 254
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست