responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 253
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْآدَابِ، وَأَحْكَامِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَقَدْ دَعَاهُمْ أَوَّلًا بِمِثْلِ هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى كُلِّيَّاتِهِ مُجْمَلَةً ثُمَّ مُفَصَّلَةً وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ التَّفْصِيلُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، إِلَى أَنْ تَمَّ الدِّينُ كُلُّهُ فَأَكْمَلَ اللهُ بِهِ النِّعْمَةَ، وَالْحَقُّ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُطَابَقَةُ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ، أَوِ الْأَمْرُ الثَّابِتُ الْمُتَحَقِّقُ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ كُلِّيٌّ لَهُ جُزْئِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلَّمَا أُطْلِقَ فِي مَقَامٍ يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَقَدْ أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ الْمُطْلَقِ وَعَلَى الْبَارِئِ تَعَالَى وَعَلَى الْقُرْآنِ وَعَلَى الدِّينِ، وَذِكْرُ الدِّينِ مُضَافًا إِلَى الْحَقِّ إِضَافَةً بَيَانِيَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) (9: 33) وَقَوْلُهُ (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ) (9: 29) وَأُطْلِقَ بِمَعَانٍ أُخْرَى تُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ هُنَا الدِّينُ الْمُبَيَّنُ فِي الْقُرْآنِ، ورُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ تَفْسِيرُهُ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ هُوَ عَيْنُ
التَّكْذِيبِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِهَذَا الدِّينِ، وَلَكِنَّ الْأَظْهَرَ فِي تَوْجِيهِ اللَّفْظِ وَالتَّنَاسُبِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا وَعَطْفِهَا عَلَيْهَا بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ الدَّالَّةِ بِإِعْجَازِهَا عَلَى كَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَعَلَى رِسَالَةِ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَبِمَعَانِيهَا عَلَى دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ، وَعَلَى أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ وَالْآدَابِ، قَدْ كَانَ سَبَبًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ تَكْذِيبُهُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِبَيَانِهِ، وَهُوَ تِلْكَ الْمَعَانِي الَّتِي هِيَ دِينُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا فُسِّرَ الْحَقُّ هُنَا بِالْقُرْآنِ نَفْسِهِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعْرِضُونَ عَنْ كُلِّ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِتَكْذِيبِهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ وَالْمُكَذِّبَ بِهِ وَاحِدٌ، وَوَجَّهَهُ أَبُو السُّعُودِ، بِضَرْبٍ مِنْ تَكَلُّفِهِ الْمَعْهُودِ، وَقَدْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ فَاءَ السَّبَبِيَّةِ تَأْتِي بِمَعْنَى لَامِ الْعِلَّةِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا سَبَبٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مَقَالٌ وَفِي التَّخْرِيجِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى مِنَ الضَّعْفِ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي شَأْنُهُمُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا هِيَ دَلَائِلُ الْأَكْوَانِ أَوِ الْمُعْجِزَاتِ مُطْلَقًا، إِذْ يُقَالُ حِينَئِذٍ فِي تَقْدِيرِ الرَّبْطِ: إِنْ كَانُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الْآيَاتِ فَقَدْ كَذَّبُوا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ آيَةً، وَأَظْهَرُ دَلَالَةً، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي تَحَدَّوْا بِهِ، فَعَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْ مَثَلِهِ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْآيَاتِ الْأُوَلِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحَقَّ هُنَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ. وَقِيلَ: الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ.
(فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) أَيْ فَعَاقِبَةُ هَذَا التَّكْذِيبِ أَنَّهُ سَوْفَ يَحِلُّ بِهِمْ مِصْدَاقُ الْأَخْبَارِ الْعَظِيمَةِ الشَّأْنِ مِمَّا كَانُوا يَسْتَهْزِءُونَ بِهِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ. وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَنْبَاءِ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعْدِ بِنَصْرِ اللهِ لِرَسُولِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ، وَوَعِيدِ أَعْدَائِهِ بِتَعْذِيبِهِمْ وَخِذْلَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ بِهَلَاكِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ أَتَاهُمْ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ أَوَائِلِهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْقَحْطِ، وَمَا حَلَّ بِهِمْ فِي بَدْرٍ، ثُمَّ تَمَّ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى مَا جَاءَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست