responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 223
قَالَ: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ) وَلَمْ يَقُلْ: مَا أَمَرْتُهُمْ إِلَّا بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ، أَدَبًا مَعَ اللهِ تَعَالَى وَمَرْعَاةً لِمَا وَرَدَ فِي السُّؤَالِ (أَأَنْتَ قُلْتَ) .
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ) أَيْ وَكُنْتُ قَائِمًا عَلَيْهِمْ أُرَاقِبُهُمْ وَأَشْهَدُ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ فَأُقِرُّ الْحَقَّ وَأُنْكِرُ الْبَاطِلَ مُدَّةَ دَوَامِ وُجُودِي بَيْنَهُمْ (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أَيْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتِنِي إِلَيْكَ كُنْتَ أَنْتَ الْمُرَاقِبَ لَهُمْ وَحْدَكَ إِذِ انْتَهَتْ مُدَّةُ رِسَالَتِي فِيهِمْ وَمُرَاقِبَتِي لَهُمْ وَشَهَادَتِي عَلَيْهِمْ، فَلَا أَشْهَدُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ وَأَنَا لَسْتُ فِيهِمْ، وَأَنْتَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَشَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، بِمَا أَنَّكَ شَهِيدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي مُلْكِكَ، وَأَنْتَ أَكْبَرُ شَهَادَةً مِمَّنْ تَجْعَلُهُمْ شُهَدَاءَ مِنْ خَلْقِكَ (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (6: 19) .
وَقَدْ مَرَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا يُزَكِّي تَبْرِئَةَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِنَفْسِهِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ هُنَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (5: 72) فَجُمْلَةُ " وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ " إِلَخْ. حَالِيَّةٌ، أَيْ قَالُوا قَوْلَهُمْ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَسِيحَ أَمَرَهُمْ بِضِدِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ.
وَفِي أَنَاجِيلِهِمْ مِنْ بَقَايَا التَّوْحِيدِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مَا رَوَاهُ يُوحَنَّا فِي إِنْجِيلِهِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (7: 3 وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الْإِلَهُ الْحَقِيقِيُّ وَحْدَكَ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ) وَفِي إِنْجِيلِ بِرْنَابَا مِنْ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ مَا هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ وَحْيًا صَحِيحًا مِنَ اللهِ تَعَالَى
إِلَى رَسُولِهِ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ الَّذِي أُجِيبَ عَنْهُ بِهَذَا الْجَوَابِ هُوَ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا عَدْلُ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا يُجْزَى بِهِ مَنِ اتَّخَذَ عِيسَى وَأُمَّهُ إِلَهَيْنِ وَغَيْرَهُمْ مِنْ قَوْمِهُ فَوَّضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْرَ الْجَزَاءِ إِلَيْهِ تَعَالَى بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ شَهَادَتُهُ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ فَقَالَ: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أَيْ إِنْ تَعَذِّبْ أُولَئِكَ النَّاسَ الَّذِينَ أَرْسَلْتَنِي إِلَيْهِمْ فَبَلَّغْتُهُمْ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ تَوْحِيدِكَ وَعِبَادَتِكَ وَحْدَكَ، فَضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ، وَقَالُوا مَا لَمْ أَقُلْهُ لَهُمْ، وَاهْتَدَى مَنِ اهْتَدَى مِنْهُمْ فَلَمْ يَعْبُدُوا مَعَكَ أَحَدًا مِنْ دُونِكَ، فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَأَنْتَ رَبُّهُمُ الْأَوْلَى وَالْأَحَقُّ بِأَمْرِهِمْ وَلَسْتُ أَنَا وَلَا غَيْرِي مِنَ الْخَلْقِ بِأَرْحَمَ بِهِمْ، وَلَا بِأَعْلَمَ بِحَالِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجْزِيهِمْ بِحَسَبِ عِلْمِكَ بِظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالْمُؤْمِنِ الْمُوَحِّدِ، وَالْمُشْرِكِ الْمُثَلِّثِ، وَالطَّائِعِ الصَّالِحِ، وَالْعَاصِي الْفَاسِقِ، وَالْمُقِرِّ لِلْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالْمُنْكِرِ لَهُمَا، وَأَنْتَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَلَا تَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست