responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 222
(مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِي وَلَا مِمَّا يَصِحُّ وُقُوعُهُ مِنِّي أَنْ أَقُولَ قَوْلًا لَيْسَ لِي أَدْنَى حَقٍّ أَنْ أَقُولَهُ; لِأَنَّكَ أَيَّدْتَنِي بِالْعِصْمَةِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْبَاطِلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَإِنْكَارِهِ إِنْكَارًا مُجَرَّدًا; لِأَنَّ نَفْيَ الشَّأْنِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْفِعْلِ نَفْيًا مُؤَيَّدًا بِالدَّلِيلِ، فَهُوَ بِتَنْزِيهِ اللهِ تَعَالَى
أَوَّلًا أَثْبَتَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ تَمْهِيدًا لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنِ اتَّخَذُوهُ وَأَمَّهُ إِلَهَيْنِ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا مِمَّا يَقَعُ مِنْ مِثْلِهِ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍّ، فَنَتِيجَةُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الثَّابِتَتَيْنِ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْقَوْلَ.
ثُمَّ أَكَّدَ هَذِهِ النَّتِيجَةَ بِحُجَّةٍ أُخْرَى قَاطِعَةٍ عَلَى سَبِيلِ التَّرَقِّي مِنَ الْبُرْهَانِ الْأَدْنَى الرَّاجِعِ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ عِصْمَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى الْبُرْهَانِ الْأَعْلَى الرَّاجِعِ إِلَى رَبِّهِ الْعَلَّامِ، فَقَالَ: (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) أَيْ إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ قَدْ وَقَعَ مِنِّي فَرْضًا فَقَدْ عَلِمْتَهُ; لِأَنَّ عِلْمَكَ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، تَعْلَمُ مَا أُسِرُّهُ وَأُخْفِيهِ فِي نَفْسِي، فَكَيْفَ لَا تَعْلَمُ مَا أَظْهَرْتُهُ وَدَعَوْتُ إِلَيْهِ فَعَلِمَهُ مِنِّي غَيْرِي؟ وَلَا أَعْلَمُ مَا تُخْفِيهِ مِنْ عُلُومِكَ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي لَا تَهْدِينِي إِلَيْهَا بِنَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ كَسْبِيٍّ، إِلَّا مَا تُظْهِرُنِي عَلَيْهِ بِوَحْيٍ وَهْبِيٍّ. قِيلَ: إِنَّ إِضَافَةَ كَلِمَةِ " نَفْسٍ " إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ، عَلَى أَنَّهَا وَرَدَتْ بِغَيْرِ مُقَابِلٍ يُسَوِّغُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (6: 54) ، (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) (3: 28، 30) وَقِيلَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الذَّاتِ وَالْمُهِمُّ فَهْمُ الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ. وَتَنْزِيهُ اللهِ تَعَالَى عَنْ مُشَابَهَةِ نَفْسِهِ لِأَنْفُسِ خَلْقِهِ مَعْرُوفٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ، فَاسْتِشْكَالُ إِطْلَاقِ الْوَحْيِ لِلْأَسْمَاءِ مَعَ هَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْجَهْلِ (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) أَيْ إِنَّكَ أَنْتَ الْمُحِيطُ بِالْعُلُومِ الْغَيْبِيَّةِ وَحْدَكَ; لِأَنَّ عِلْمَكَ الْمُحِيطَ بِكُلِّ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ عِلْمٌ ذَاتِيٌّ لَا مُنْتَزَعٌ مِنْ صُوَرِ الْمَعْلُومَاتِ، وَلَا مُسْتَفَادٌ بِتَلْقِينٍ وَلَا بِنَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَإِنَّمَا عِلْمُ غَيْرِكَ مِنْكَ لَا مِنْ ذَاتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَنَالَهُ بِمَا آتَيْتَهُ مِنَ الْمَشَاعِرِ أَوِ الْعَقْلِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَلَقَّاهُ مِمَّا تَهَبُهُ مِنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَحْيِ، أَيْ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ الْقَوْلَ. وَشَرْطُ " إِنْ " لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ، ثُمَّ إِنَّهُ بَعْدَ تَنْزِيهِ رَبِّهِ، وَتَبْرِئَةِ نَفْسِهِ، وَإِقَامَةِ الْبُرْهَانَيْنِ عَلَى بَرَاءَتِهِ، بَيَّنَ حَقِيقَةَ مَا قَالَهُ لِقَوْمِهِ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِمْ لَا تَكُونُ تَامَّةً كَامِلَةً، بِحَيْثُ تَظْهَرُ لَهُمْ هُنَالِكَ حُجَّةُ اللهِ الْبَالِغَةُ، إِلَّا بِإِثْبَاتِ مَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالتَّوْحِيدِ بَعْدَ نَفْيِ ضِدِّهِ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِ السَّامِعِ لِمَا سَبَقَ مِنَ النَّفْيِ أَنْ يَسْأَلَ عَمَّا قَالَهُ فِي مَوْضُوعِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)
فَهَذَا قَوْلٌ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِاتِّخَاذِهِ وَأُمَّهُ إِلَهَيْنِ وَإِثْبَاتَ ضِدَّهُ، أَيْ مَا قُلْتُ لَهُمْ فِي شَأْنِ الْإِيمَانِ وَأَصْلِ الدِّينِ وَأَسَاسِهِ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِغَيْرِهِ دُونَهُ، إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِالْتِزَامِهِ اعْتِقَادًا وَتَبْلِيغًا وَهُوَ الْأَمْرُ بِعِبَادَتِكَ وَحْدَكَ مَعَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّكَ رَبِّي وَرَبُّهُمْ، وَأَنَّنِي عَبْدٌ مِنْ عِبَادِكَ مِثْلُهُمْ، أَيْ إِلَّا أَنَّكَ خَصَصْتَنِي بِالرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ. فَقَوْلُهُ: (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) تَفْسِيرٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 222
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست