responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 214
الرُّوحِيَّةِ
أَوْ مَعْنَاهَا وَارْزُقْنَا الشُّكْرَ عَلَيْهَا، وَرُبَّمَا يُقَوِّيهِ إِنْذَارُ اللهِ مَنْ يَكْفُرُ بَعْدَ إِنْزَالِهَا إِذْ قَالَ:
(قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَنَافِعٌ مُنَزِّلُهَا بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّنْزِيلِ الْمُفِيدِ لِلتَّكْثِيرِ أَوِ التَّدْرِيجِ، وَالْبَاقُونَ مُنْزِلُهَا بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْإِنْزَالِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا هُنَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ وَعَدَ اللهُ عِيسَى بِتَنْزِيلِهَا عَلَيْهِمْ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا، وَلَكِنَّهُ رَتَّبَ عَلَى هَذَا الْوَعْدِ شَرْطًا أَيُّ شَرْطٍ. فَقَالَ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) الْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، مِثْلَ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (108: 1، 2) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ مِنْهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الِاشْتِبَاهَ وَلَا التَّأْوِيلَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَذِّبُهُ عَذَابًا شَدِيدًا لَا يُعَذِّبُ مِثْلَهُ أَحَدًا مِنْ سَائِرِ كُفَّارِ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ أَوْ عَالَمِي أُمَّتِهِمُ الَّذِينَ لَمَّ يُعْطَوْا مِثْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُ الْخَاطِئَ وَالْكَافِرَ بِقَدْرِ تَأْثِيرِ الْخَطِيئَةِ أَوِ الْكَفْرِ، وَالْبُعْدِ فِيهِ عَنِ الشُّبْهَةِ وَالْعُذْرِ، وَمَا أُعْطِيَ مِنْ مُوجِبَاتِ الشُّكْرِ، وَأَيُّ شُبْهَةٍ أَوْ عُذْرٍ لِمَنْ يَرَى الْآيَاتِ مِنْ رَسُولِهِ ثُمَّ يَقْتَرِحُ آيَةً بَيِّنَةً عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ تَشْتَرِكُ فِي الْعِلْمِ بِهَا جَمِيعُ حَوَاسِّهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهَا فِي دُنْيَاهُ قَبْلَ آخِرَتِهِ فَيُعْطَى مَا طَلَبَ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ ثُمَّ يَنْكِصُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَكُونُ مِنَ الْكَافِرِينَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ مُفَسِّرُو السَّلَفِ فِي الْمَائِدَةِ، أَنَزَلَتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا؟ فَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا نَزَلَتْ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الطَّعَامِ الَّذِي نَزَلَ أَيْ أُعْطِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعْجِزَةِ مِنَ اللهِ فَأَبْهَمَهُ بَعْضُهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ خُبْزٌ وَسَمَكٌ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْخُبْزَ مِنَ الشَّعِيرِ، وَقِيلَ: خُبْزٌ وَلَحْمٌ، وَقِيلَ: مِنْ ثِمَارٍ مِنَ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا اللَّحْمَ. وَقِيلَ: كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ طَعَامٌ أَيْنَمَا ذَهَبُوا كَمَا كَانَ يَنْزِلُ الْمَنُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَا يَصِحُّ مِنْ أَسَانِيدِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ شَيْءٌ; وَلِذَلِكَ رَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ نُزُولَهَا إِنْجَازًا لِلْوَعْدِ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا مَأْكُولٌ لَا نُعِينُهُ، بَلْ قَالَ: غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ سَمَكًا وَخُبْزًا، وَقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِهِ لَا يَنْفَعُ وَالْجَهْلَ بِهِ لَا يَضُرُّ وَنَقُولُ إِذًا: إِنَّهُ يُصَدَّقُ بِمِثْلِ مَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي يَجْمَعُونَهُ عَنِ الْحِجَارَةِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الْأَضْدَادِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: كَانَ طَعَامًا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ حَيْثُمَا نَزَلُوا، وَيُصَدَّقُ بِمَا يَأْتِي عَنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا مِنْ إِطْعَامِ الْأُلُوفِ فِي عِيدِ الْفِصْحِ مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَيْنِ أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلُ ذَلِكَ الْجَمْعِ كَآخِرِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلِ أَلْبَتَّةَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَقَالَ قَائِلُونَ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، فَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: (أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ) قَالَ: هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ وَلَمْ يَنْزِلْ شَيْءٌ. رَوَاهُ ابْنُ حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 214
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست