responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 203
(قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) جَاءَ الْجَوَابُ مُنْفَصِلًا كَسَائِرِ مَا يَأْتِي مِنْ أَقْوَالِ الْمُرَاجَعَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُونَ لِلرَّبِّ: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا عِلْمٌ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا. يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِنَفْيٍ لِعِلْمِهِمْ بِإِطْلَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِعِلْمِ الْإِحَاطَةِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ بِالْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ; إِذِ الرُّسُلُ كَانُوا يَعْلَمُونَ ظَاهِرَ مَا أُجِيبُوا بِهِ مِنْ مُخَاطِبِيهِمْ وَلَا يَعْلَمُونَ بَوَاطِنَهُمْ، وَلَا حَالَ مَنْ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ أُمَمِهِمْ، إِلَّا مَا يُوحِيهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ; وَلِذَلِكَ فَقَرَنُوا نَفْيَ الْعِلْمِ عَنْهُمْ بِإِثْبَاتِ الْمُبَالَغَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ لَهُ تَعَالَى، فَإِنَّ صِيغَةَ " عَلَّامُ " مَعْنَاهَا كَثِيرُ الْعِلْمِ، أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَعْلُومَاتِ، وَإِلَّا فَعَلِمُهُ وَاحِدٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إِحَاطَةً كَامِلَةً. وَلَا يُوصَفُ تَعَالَى بِالْعَلَّامَةِ، وَلَعَلَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَاءِ
التَّأْنِيثِ. قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُنْجِيَ وَلَدَهُ مِنَ الطُّوفَانِ: (فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (11: 46) وَقَالَ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) (9: 101) .
وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ الرُّسُلَ أَرَادُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ حَقِيقَةِ حَالِ أُمَمِهِمْ إِلَّا الظَّنُّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ لَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ (قَالَ) فَالْأَنْبِيَاءُ قَالُوا: لَا عِلْمَ لَنَا أَلْبَتَّةَ بِأَحْوَالِهِمْ إِنَّمَا الْحَاصِلُ عِنْدَنَا مِنْ أَحْوَالِهِمْ هُوَ الظَّنُّ، وَالظَّنُّ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الدُّنْيَا; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الدُّنْيَا كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الظَّنِّ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا الْتِفَاتَ فِيهَا إِلَى الظَّنِّ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ فِي الْآخِرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ. فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) (2: 32) وَلَمْ يَذْكُرُوا أَلْبَتَّةَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ اهـ.
وَنَقُولُ: إِنَّ هَذَا رَأْيٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ بُنِيَ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ فِي تَفْسِيرِ الظَّنِّ وَالْعِلْمِ، وَالصَّوَابُ مَا بَيَّنَاهُ قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرُّسُلَ يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنَ الْحَقَائِقِ عِلْمًا يَقِينِيًّا، كَاسْتِكْبَارِ الْمُجْرِمِينَ عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمِنْ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ مَا شَهِدَ بِهِ التَّنْزِيلُ إِذْ أَخْبَرَهُمُ اللهُ أَنَّ أُولَئِكَ الْمُعَانِدِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ، وَأَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَحَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُكَاشِفُ النَّبِيَّ بِحَالِهِمْ وَيَمْثُلُونَ لَهُ فِي النَّارِ كَمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ صَادِقُونَ فِي إِيمَانِهِمْ وَبَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ضُعَفَاءُ الْإِيمَانِ وَلَكِنَّ إِيمَانَهُمْ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَالْعِلْمُ بِالظَّوَاهِرِ يَقْبَلُ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالْإِيمَانِ فِي الْبَاطِنِ مَعَ الْجُحُودِ فِي الظَّاهِرِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ الْكُفْرِ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أُمَمِهِمْ، فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ أَحْوَالِ أُمَمِهِمْ ظَنًّا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 203
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست