responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 87
إِنَّمَا كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ وَعِيسَى فِي أَقْوَامِهِمَا فِي مَحِلِّهِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ وَمُوسَى فِي فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى اسْتَجَابَ لِنُوحٍ دُعَاءَهُ عَلَى قَوْمِهِ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (71: 26) وَلِمُوسَى دُعَاءَهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ (10: 88) وَرَأَيْنَا الْمُفَسِّرِينَ يَعُدُّونَ مِنَ الْمُشْكِلِ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14: 36) وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ إِعْلَامِ اللهِ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَقَالُوا: إِنَّهُ كَاسْتِغْفَارِهِ لِأَبِيهِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ (9: 114) وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّهُ فِي الْعُصَاةِ لَا الْكُفَّارِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَمِثْلُهُ اسْتِشْكَالُهُمْ لِقَوْلِ عِيسَى فِي الَّذِينَ اتَّخَذُوهُ وَأُمَّهُ إِلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللهِ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5: 118) وَقَدْ أَطَالُوا فِي تَفْسِيرِهِ الْكَلَامِ، وَلَا سِيَّمَا وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فِي مَقَامِ احْتِمَالِ الْمَغْفِرَةِ دُونَ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِنَا أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا عَلَيْهِ السَّلَامُ تَفْوِيضٌ لِلْأَمْرِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا طَلَبٌ وَدُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ لَهُمْ، وَلَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَقَامُ لِبَسْطِ الْكَلَامِ فِي الْآيَتَيْنِ.
وَأَمَّا اسْتِنْبَاطُ التَّرْجِيحِ مِمَّا تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا مَنْ كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ أَفْضَلَ الرُّسُلِ بَعْدَ خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَيَلِيهِمَا مُوسَى فَعِيسَى فَنُوحٌ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَفْضَلَ مِمَّنْ فِي الطَّرْفِ الثَّانِي، فَإِنَّ مُوسَى فِي الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ عِيسَى فِي الْأَوَّلِ، فَفِي كُلٍّ مَنَ النَّبِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ شُبِّهَ بِهِمَا كُلٌّ مِنَ الصَّاحِبَيْنِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَحَدِ الْآخَرَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمَقَامَ لَيْسَ مَقَامَ الْمُفَاضَلَةِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ فِي تَفْضِيلِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
(5و6) الْمُرَجِّحَانِ الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ: مَا حَصَلَ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بِإِسْلَامِ أَكْثَرِ أُولَئِكَ الْأَسْرَى، وَخُرُوجِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَانِ إِنَّمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ فِي الَّذِي وَقَعَ كَانَ حِكْمَةً مِنْ حِكَمِ اللهِ فِي قَوْعِهِ كَمَا بَيَّنَاهُ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ الَّذِي نَزَلَتِ الْآيَتَانِ فِيهِ هُوَ مُفَادَاةُ الْأَسْرَى وَتَرْجِيحُهَا عَلَى قَتْلِهِمْ بَلْ نَصُّهُمَا صَرِيحٌ فِي ضِدِّهِ.
(7) الْمُرَجِّحُ السَّابِعُ، حُصُولُ الْقُوَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْفِدَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إِذْ مَا يُدْرِينَا أَنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ يَكُونُ مُضْعِفًا لِلْمُشْرِكِينَ، وَصَادًّا لَهُمْ عَنِ الْجَرَاءَةِ عَلَى قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أُحُدٍ وَفِي الْخَنْدَقِ مَثَلًا، كَمَا هُوَ الْمَعْقُولُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَتَانِ مِنْ وُجُوبِ جَعْلِ الْمُفَادَاةِ بَعْدَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ لَا قَبْلَهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ يُقَالُ فِي هَذَا الْمُرَحِّجِ مَا قُلْنَاهُ فِيمَا قَبْلَهُ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 87
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست