responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 86
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اسْتِقْرَارَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ آخِرًا فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا قَدْ كَانَ سَبَبُهُ تَغَيُّرَ الْحَالِ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ بَعْدَ إِثْخَانِ الْأَعْدَاءِ فِي الْقِتَالِ، فَمَنَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ، إِذَا كَانَ قَدْ أَثْخَنَ فِي الْأَرْضِ، وَأَعْتَقَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ بَعْدَ قِسْمَتِهِمْ فَآمَنُوا كُلُّهُمْ، وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُصَرِّحُ بِهِ، بِأَنَّ مَا هُنَا نُسِخَ بِآيَةِ سُورَةِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى مَا فِي تَسْمِيَةِ ذَلِكَ نَسْخًا مِنْ بَحْثٍ تَقَدَّمَ.
(2) الْمُرَجِّحُ الثَّانِي: مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الَّذِي سَبَقَ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ لَهُمْ إِلَخْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ خَطَأً عِنْدَ مَنْ فَسَّرَهُ بِغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَلْ هُوَ خَطَأٌ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى اسْتِحْلَالِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِإِحْلَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.
(3) الْمُرَجِّحُ الثَّالِثُ: مُوَافَقَتُهُ الرَّحْمَةَ الَّتِي سَبَقَتِ الْغَضَبَ وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا، فَإِنَّ سَبْقَ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى لِغَضَبِهِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تُرَجَّحَ الرَّحْمَةُ عَلَى الْغَضَبِ مِنْ عِبَادِهِ وَلَا مِنْهُ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَّا لِمَا كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ سَبْقِ لِلرَّحْمَةِ عَلَى الْغَضَبِ، بَلْ كَانَتْ تَكُونُ مَسْأَلَةَ رَحْمَةٍ بِلَا غَضَبٍ، فَالَّذِي أَفَادَتْهُ الْآيَتَانِ الْأُولَيَانِ أَنَّ رَحْمَةَ الْكُفَّارِ بِأَسْرِ مُقَاتِلِيهِمْ ثُمَّ الْمَنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ مُفَادَاتَهُمْ فِي حَالِ ضَعْفِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِ أَنْبِيَاءِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّتِهِمْ، وَلَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ، وَلَا مِنْ أَتْبَاعِهِمُ الصَّادِقِينَ قَبْلَ الْإِثْخَانِ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ أَتْبَاعَ رَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (48: 29) وَقَالَ لِرَسُولِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ (9: 73) وَمِنَ الْمَعْقُولِ الْمُجَرَّبِ أَنَّ وَضْعَ الرَّحْمَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَغَيْرِ وَقْتِهَا الْمُنَاسِبِ لَهَا ضَارٌّ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالْعُلَى ... مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى
وَمِنَ الْمَثُلَاتِ وَالْعِبَرِ فِي هَذَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَبَاحُوا فِي حَالِ عِزَّتِهِمْ وَسُلْطَانِهِمْ لِأَهْلِ الْمِلَلِ الْأُخْرَى حُرِّيَّةً وَاسِعَةً فِي دِينِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، عَادَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَدُوَلِهِمْ بِأَشَدِّ الْمَضَارِّ وَالْمَصَائِبِ فِي طَوْرِ ضَعْفِهِمْ، كَامْتِيَازَاتِ الْكَنَائِسِ، وَرُؤَسَاءِ الْأَدْيَانِ، الَّتِي جَعَلَتْ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ذَاتَ حُكُومَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ فِي دَاخِلِ الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُسَمُّونَهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِالِامْتِيَازَاتِ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ فَضْلًا وَإِحْسَانًا مِنْ مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ امْتِيَازَاتٍ عَلَيْهِمْ مُذِلَّةً لَهُمْ مُفَضِّلَةً لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِمْ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الصُّعْلُوكَ مِنْ أُولَئِكَ الْأَجَانِبِ صَارَ أَعَزَّ فِيهَا مِنْ أَكَابِرِ أُمَرَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ.
(4) الْمُرَجِّحُ الرَّابِعُ: تَشْبِيهُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِ وَوَزِيرَيْهِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ بِنَبِيَّيْنِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ - وَهَذَا التَّشْبِيهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْجِيحِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ وَجْهَيِ الشَّبَهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست