responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 82
(فَإِنْ قِيلَ) : تَبَيَّنَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ لَمْ يَكُنْ مُضْعِفًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا مُزِيدًا مِنْ شَوْكَةِ الْمُشْرِكِينَ، بَلْ كَانَ خَيْرًا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ بَيَّنَهَا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ مِنْ بِضْعَةِ وُجُوهٍ - وَسَيَأْتِي سَرْدُهَا - (قُلْنَا) : مَا يُدْرِينَا مَاذَا كَانَ يَكُونُ لَوْ عَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِمَا دَلَّتِ الْآيَةُ الْأُولَى مِنْ قَتْلِ أُولَئِكَ الْأَسْرَى أَوْ مِنْ
عَدَمِ أَخْذِ الْأَسْرَى يَوْمَئِذٍ؟ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، وَسُنَّةُ أَنْبِيَاءِ الرَّحْمَةِ، أَلَيْسَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرْهِبًا لِلْمُشْرِكِينَ، وَصَادًّا لَهُمْ عَنِ الزَّحْفِ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْذِ الثَّأْرِ مِنْهُمْ فِي أُحُدٍ، ثُمَّ اعْتِدَاؤُهُمْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْغَزَوَاتِ؟
(فَإِنْ قِيلَ) : وَمَا حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى فِي تَرْجِيحِ رَسُولِهِ لِرَأْيِ الْجُمْهُورِ الْمَرْجُوحِ بِحَسَبِ الْقَاعِدَةِ أَوِ السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، وَهُوَ أَرْحَجُهُمْ مِيزَانًا وَأَقْوَاهُمْ بُرْهَانًا، ثُمَّ إِنْكَارُهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ (قُلْتُ) : إِنَّ لِلَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لَحِكَمًا أَذْكُرُ مَا ظَهَرَ لِي مِنْهَا: (الْحِكْمَةُ الْأُولَى) عَمِلَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِرَأْيِ الْجُمْهُورِ الْأَعْظَمِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِصْلَاحِ السِّيَاسِيِّ وَالْمَدَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أُمَمِ الْبَشَرِ فِي دُوَلِهَا الْقَوِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، كَمَا عَمِلَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِرَأْيِهِمِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَتَقَدَّمَ [فِي ص 508 وَمَا بَعْدَهَا ج9 ط الْهَيْئَةِ] وَقَدْ كَانَ هَذَا مِنْ فَضَائِلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثُمَّ فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ بِقَوْلِهِ: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ (3: 159) [ص 163 وَمَا بَعْدَهَا ج 4 ط الْهَيْئَةِ] .
(الْحِكْمَةُ الثَّانِيَةُ) بَيَانُ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدْ يُخْطِئُونَ وَلَا سِيَّمَا فِي الْأَمْرِ الَّذِي لَهُمْ فِيهِ هَوًى وَمَنْفَعَةٌ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا شَرَعَهُ تَعَالَى مِنَ الْعَمَلِ بِرَأْيِ الْأَكْثَرِينَ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ هُوَ الْأَمْثَلُ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ، لَا أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهَا.
(الْحِكْمَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ النَّبِيَّ نَفْسَهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى يُبَيِّنُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُقِرُّهُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ فَهُوَ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي التَّبْلِيغِ عَنِ اللهِ تَعَالَى لَا فِي الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَمِنْهُ مَا سَبَقَ مِنِ اجْتِهَادِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأَعْمَى الْفَقِيرِ الضَّعِيفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ حِينَ جَاءَهُ يَسْأَلُهُ وَهُوَ يَدْعُو كُبَرَاءَ أَغْنِيَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ، لِئَلَّا يَعْرِضُوا عَنْ سَمَاعِ دَعْوَتِهِ، فَعَاتَبَهُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا (80: 1 - 11) .
(الْحِكْمَةُ الرَّابِعَةُ) أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَاتِبُ رَسُولَهُ عَلَى الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ مَعَ حُسْنِ نِيَّتِهِ فِيهِ، وَيَعُدُّهُ ذَنْبًا لَهُ، وَيَمُنُّ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ عَنْهُ وَمَغْفِرَتِهِ لَهُ عَلَى كَوْنِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ مَعْفُوًّا عَنْهُ فِي شَرِيعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي عُلُوِّ مَقَامِهِ وَسِعَةِ عِرْفَانِهِ يَعُدُّ عَلَيْهِ مِنْ " مُخَالَفَةِ الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 82
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست