responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 80
لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِي الْأَزَلِ بِالْعَفْوِ عَنْ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَمَسَّهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. (قَالَ) : وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (6: 54) وَمِنْ قَوْلِهِ " سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي ". (قَالَ) : وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ الْعَفْوَ عَنِ الْكَبَائِرِ، فَكَانَ مَعْنَاهُ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ فِي أَنَّ مَنِ احْتَرَزَ عَنِ الْكَبَائِرِ صَارَتْ كَبَائِرُهُ مَغْفُورَةً، وَإِلَّا لَمَسَّهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَنَّ طَاعَاتِ أَهْلِ بَدْرٍ كَانَتْ عَظِيمَةً، وَهُوَ قَبُولُهُمُ الْإِسْلَامَ، وَانْقِيَادُهُمْ لِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَإِقْدَامُهُمْ عَلَى مُقَاتَلَةِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ سِلَاحٍ وَأُهْبَةٍ. فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الثَّوَابَ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ كَانَ أَزْيَدَ مِنَ الْعِقَابِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ، فَلَا جَرَمَ صَارَ هَذَا الذَّنْبُ مَغْفُورًا، وَلَوْ قَدَّرْنَا صُدُورَ هَذَا الذَّنْبِ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ لَمَا صَارَ مَغْفُورًا، فَبِسَبَبِ هَذَا الْقَدْرِ مِنَ التَّفَاوُتِ حَصَلَ لِأَهْلِ بَدْرٍ هَذَا الِاخْتِصَاصُ اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ تَعْلِيلٌ حَسَنٌ لِمَغْفِرَةِ اللهِ تَعَالَى لِأَهْلِ بَدْرٍ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَنُصُوصِ الْقُرْآنِ فِي تَغْلِيبِ الْحَسَنَاتِ عَلَى السَّيِّئَاتِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَتَّجِهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ مِثْلَهُ فِي هَذَا فَمَا اعْتَمَدَهُ أَضْعَفُ مِمَّا رَدَّهُ وَأَبْطَلَهُ.
وَقَدْ أَشَرْنَا آنِفًا إِلَى احْتِمَالِ تَفْسِيرِ الْكِتَابِ الَّذِي سَبَقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (8: 33) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ قَدْ نَزَلَ فِي الْمُشْرِكِينَ - أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَوْ هُمْ أَحَقُّ بِهِ وَأَوْلَى، وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَمْتَنِعَ نُزُولُ الْعَذَابِ بِالْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُمْ يُؤْذُونَهُ وَيَصُدُّونَ عَنْهُ، وَلَا يَمْتَنِعَ نُزُولُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِهِ
النَّاصِرِينَ لَهُ وَهُوَ فِيهِمْ، وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَهُ تَعَالَى حَقَّ الِاسْتِغْفَارِ، لِتَوْحِيدِهِمْ إِيَّاهُ وَعَدَمِ إِشْرَاكِهِمْ أَحَدًا، وَلَا شَيْئًا فِي عِبَادَتِهِ؟ ! وَلَا أَذْكُرُ أَنَّنِي رَأَيْتُهُ لِأَحَدٍ عَلَى شِدَّةِ ظُهُورِهِ وَتَأَلُّقِ نُورِهِ، وَلَكِنَّهُ خَاصٌّ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، وَمِنَ الْبَعِيدِ جِدًّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ أَوْ يَشْمَلُ كُلَّ عَذَابٍ عَامٍّ كَمَا تُشِيرُ إِلَيْهِ رِوَايَاتُ اسْتِثْنَاءِ عُمَرَ وَسَعْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ وَيَصِحُّ تَسْمِيَةُ هَذَا كِتَابٌ بِمَعْنَى كَوْنِهِ قَضَاءً سَبَقَ وَكُتِبَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (6: 54) .
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي سَبَقَ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ يَتُوبُونَ مِمَّا ذَكَرَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِمْ، وَيُصْلِحُونَ عَمَلَهُمْ بِمَا يَذْهَبُ بِتَأْثِيرِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَذَلِكَ كَانَ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 80
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست