responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 61
بِتَسْخِيرِ الْأَسْبَابِ، وَمَا هُوَ وَرَاءَ الْأَسْبَابِ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَالْمَلَائِكَةِ الَّتِي ثَبَّتَتِ الْقُلُوبَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ (وَبِالْمُؤْمِنِينَ) مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَرُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمُ الْأَنْصَارُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أَيْ: بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالتَّعَادِي الَّذِي رَسَخَ بِالْحَرْبِ الطَّوِيلَةِ وَالضَّغَائِنِ الْمَوْرُوثَةِ، وَجَمَعَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِكَ، وَبَذْلِ النَّفْسِ وَالنَّفِيسِ فِي مُنَاصَرَتِكَ.
قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي: كَانَ هَذَا بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ، أَيْ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (3: 103) إِلَخْ. وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ إِرَادَةَ مَجْمُوعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَقَدْ كَانُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ تَحَاسُدٌ وَلَا تَعَادٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْبَشَرِ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّأْنِ، كَمَا أَلَّفَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَكَانُوا بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا بَعْدَ طُولِ الْعَدَاءِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ كَادَ يَقَعُ التَّغَايُرُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عِنْدَ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ فِي حُنَيْنٍ فَكَفَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ وَحِكْمَةِ رَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَقَدْ كَانَ عَدَدُ الْمُهَاجِرِينَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ثَمَانِينَ رَجُلًا أَوْ زِيَادَةً كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَكَانَ الْبَاقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ تَتِمَّةُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشْرَ. وَالْعُمْدَةُ فِي إِرَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ التَّأْيِيدَ بِالْفِعْلِ وَالنَّصْرِ حَصَلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فِي كُلِّ شَيْءٍ لِسَبْقِهِمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ، وَنَصْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ فِي زَمَنِ الْقِلَّةِ وَالشِّدَّةِ وَالْخَوْفِ، وَقَدْ أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ هَذَا
النَّصْرُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ عِنْدَ ذِكْرِ مَرَاتِبِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ فِي قِسْمَةِ فَيْئِهِمْ: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (59: 8) ثُمَّ قَالَ فِي الْأَنْصَارِ: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (59: 9) إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّصْرَ يُنَالُ بِالْأَسْبَابِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّآلُفِ وَالِاتِّحَادِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ مُقَدِّرِ الْأَسْبَابِ وَرَحْمَتِهِ بِالْعِبَادِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْلَا نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ، وَأُخُوَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَقْوَى عَاطِفَةٍ وَمَوَدَّةٍ مِنْ أُخُوَّةِ الْأَنْسَابِ وَالْأَوْطَانِ، لَمَا أَمْكَنَكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بِالْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَلَوْ أَنْفَقَتْ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ فِي سَبِيلِ هَذَا التَّأْلِيفِ، أَمَّا الْأَنْصَارُ فَلِأَنَّ الْأَضْغَانَ الْمَوْرُوثَةَ، وَأَوْتَارَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ، وَحَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ الرَّاسِخَةِ، لَا تَزُولُ بِالْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْعَارِضَةِ، وَإِنَّمَا تَزُولُ بِالْإِيمَانِ الصَّادِقِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلِأَنَّ التَّأْلِيفَ بَيْنَ غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ، وَسَادَتِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ، وَأَشْرَافِهِمْ وَدَهْمَائِهِمْ، عَلَى مَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ كِبْرِيَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَمْعَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست