responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 60
إِلَى الْغَدْرِ كَمَا فَعَلُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ، إِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّمِيعُ لِمَا يَقُولُونَ، الْعَلِيمُ بِمَا يَفْعَلُونَ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَخْفَى عَلَيْكَ مِنَ ائْتِمَارِهِمْ وَتَشَاوُرِهِمْ، وَلَا مِنْ كَيْدِهِمْ وَخِدَاعِهِمْ.
قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا السِّيَاقِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ كَثِيرٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ، وَيَرُدُّ التَّخْصِيصَ قَبُولُهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ الصُّلْحَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْحُدَيْبِيَةَ، وَتَرْكَ الْحَرْبِ إِلَى مُدَّةِ عَشْرِ سِنِينَ، مَعَ مَا اشْتَرَطُوا فِيهِ مِنَ الشُّرُوطِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي كَرِهَهَا جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَكَادَتْ تَكُونُ فِتْنَةً، وَقِيلَ: إِنَّهَا عَامَّةٌ وَلَكِنَّهَا نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ؛ لِأَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا الْإِسْلَامُ. وَرُوِيَ الْقَوْلُ بِنَسْخِهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ آيَةَ (بَرَاءَةٌ) فِيهَا الْأَمْرُ بِقِتَالِهِمْ إِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ كَثِيفًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ مُهَادَنَتُهُمْ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ. وَكَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا نَسْخَ وَلَا تَخْصِيصَ وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ فِي الْجَوَابِ أَيْضًا: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُمْ جَنَحُوا إِلَى السَّلْمِ، وَأَبَاهُ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَلْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، ثُمَّ ظَلُّوا يُقَاتِلُونَهُ إِلَى مَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ عَاصِمَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، كَمَا فَعَلُوا فِي الطَّائِفِ إِلَى أَنْ ذَهَبَتْ رِيحُهُمْ، وَخُضِدَتْ شَوْكَةُ زُعَمَائِهِمْ، وَصَارَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، وَتَمَّ مَا أَرَادَ اللهُ مِنْ إِسْلَامِ أَهْلِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَجْلِ أَنْ يَكُونَ مَهْدُ الْإِسْلَامِ حِصْنًا وَمِئْزَرًا لِلْإِسْلَامِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَمْرَهُ بِالتَّوَكُّلِ فِي حَالِ قَبُولِ السَّلْمِ إِنْ جَنَحُوا إِلَيْهِ عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ مِنْهُمُ اخْتِيَارًا فَقَالَ:
وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بِجُنُوحِهِمْ لِلسَّلْمِ، وَيَفْتَرِضُوهُ لِأَجْلِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ، أَوِ انْتِظَارِ غِرَّةٍ تُمَكِّنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ أَيْ: كَافِيكَ أَمْرَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ " حَسْبَ " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ: أَحْسَبَ زَيْدٌ عَمْرًا، أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى أَحْسَبَهُ، أَيْ أَجْزَلَ لَهُ وَكَفَاهُ، حَتَّى قَالَ: حَسْبِي، أَيْ
لَا حَاجَةَ لِي فِي الزِّيَادَةِ. وَقَالَ الْمُدَقِّقُونَ مِنَ النُّحَاةِ: إِنَّهَا صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَحْسَبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِهَا هُنَا، أَيْ مُحْسِبُكَ وَكَافِيكَ قَالَ جَرِيرٌ:
إِنِّي وَجَدْتُ مِنَ الْمَكَارِمِ حَسْبَكُمْ ... أَنْ تَلْبَسُوا خَزَّ الثِّيَابِ وَتَشْبَعُوا
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ الْكِفَايَةَ بِالتَّأْيِيدِ الرَّبَّانِيِّ، وَأَنَّ مِنْهُ تَسْخِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلرَّسُولِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَجَعَلَهُمْ أُمَّةً مُتَّحِدَةً مُتَآلِفَةً مُتَعَاوِنَةً عَلَى نَصْرِهِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 60
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست