responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 59
لَغَلَبَ أَهْلُ الشِّرْكِ وَالْبَاطِلِ وَالْخُرَافَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ، وَهَدَمُوا بُيُوتَ اللهِ تَعَالَى لِإِبْقَاءِ هَيَاكِلِ الْأَصْنَامِ وَبُيُوتِ الْأَوْثَانِ.
ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يُعْتَبَرُ شَرْطًا لِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ لَهُمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عِنْدَ انْتِصَارِهِمْ وَتَمْكِينِهِمْ فِي الْأَرْضِ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ الَّتِي وَصَفَهَا اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا الْمَصَالِحُ الْمَعَاشِيَّةُ الْعَامَّةُ، وَيَزُولُ بُؤْسُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ بِمُشَارَكَتِهِمْ لِلْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحُكْمِ اللهِ الْمُغْنِي لَهُمْ، لَا بِمُجَرَّدِ أريحَتِهِمْ وَتَفَضُّلِهِمْ، وَتَعَيَّنَ عَلَى السَّيَّاحَةِ بِكِفَايَةِ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَيُكَلَّفُونَ حِفْظَ الْفَضِيلَةِ وَمَنْعَ الرَّذَائِلِ بِإِقَامَةِ فَرِيضَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ الشَّرِيفَةِ مِنْ إِبَاحَةِ الْجِهَادِ تُخَالِفُهَا الدُّوَلُ الْحَرْبِيَّةُ فَتُبِيحُ الْمُنْكَرَاتِ وَالْفَوَاحِشَ، وَتُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ.
هَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ فِي شَرْعِيَّةِ هَذَا الْجِهَادِ الَّذِي يَعِيبُهُ الْمُتَعَصِّبُونَ الْمُرَاءُونَ مِنَ الْكُفَّارِ أَعْدَاءِ الْإِنْسَانِيَّةِ، ثُمَّ نَزَلَ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهِ، وَمِنْ
أَهَمِّهِ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ الْأَوَّلُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ الْحَرْبِيِّ لِأَهْلِ الْحَقِّ إِرْهَابَ أَعْدَائِهِمْ أَهْلِ الْبَاطِلِ لَعَلَّهُمْ يَكُفُّونَ عَنِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ قَادِرِينَ عَلَى حِفْظِهَا بِالدِّفَاعِ عَنْهُمَا، وَإِضْعَافِ شَوْكَةِ الْبَاغِينَ الْمُبْطِلِينَ أَوِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا.
وَلَمَّا كَانَ السَّلْمُ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَ مَفْهُومُ الْآيَةِ السَّابِقَةِ، أَكَّدَهُ بِمَنْطُوقِ الْآيَةِ اللَّاحِقَةِ، فَقَالَ جَلَّتْ حِكْمَتُهُ وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ " لِلسَّلْمِ " بِفَتْحِ السِّينِ، وَأَبُو بَكْرٍ بِكَسْرِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ. وَهِيَ كَالسَّلَامِ: الصُّلْحِ، وَضِدُّ الْحَرْبِ، وَالْإِسْلَامُ دِينُ السَّلْمِ وَالسَّلَامِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (2: 208) وَلَفْظُ السَّلْمِ مُؤَنَّثٌ كَمُقَابِلِهِ (الْحَرْبِ) وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُذَكِّرُهُمَا. وَجَنَحَ لِلشَّيْءِ وَإِلَيْهِ مَالَ، أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَيْلِ إِلَى أَحَدِ الْجَنَاحَيْنِ أَيِ الْجَانِبَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ كَجَنَاحَيِ الطَّيْرِ وَالْإِنْسَانِ وَالسَّفِينَةِ وَالْعَسْكَرِ. وَقَالُوا: جَنَحَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ أَيْ مَالَتْ إِلَى جَانِبِ الْغَرْبِ الَّذِي تَغِيبُ فِي أُفُقِهِ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِجَانِبِ الشَّرْقِ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ، وَلَا يُقَالُ: جَنَحَتْ لِلشَّرْقِ، لِأَنَّنَا لَا نَرَاهَا قَبْلَ شُرُوقِهَا مَائِلَةً إِلَى جَانِبٍ غَيْرِ الَّذِي انْقَلَبَتْ عَنْهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ: جَنَحَ اللَّيْلُ، بِمَعْنَى مَالَ لِلذَّهَابِ وَلِلْمَجِيءِ. وَالْمَعْنَى: وَإِنْ مَالُوا عَنْ جَانِبِ الْحَرْبِ إِلَى جَانِبِ السَّلْمِ خِلَافًا لِلْمَعْهُودِ مِنْهُمْ فِي حَالِ قُوَّتِهِمْ، فَاجْنَحْ لَهَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، لِأَنَّكَ أَوْلَى بِالسَّلْمِ مِنْهُمْ. وَعَبَّرَ عَنْ جُنُوحِهِمْ بِـ " إِنْ " الَّتِي يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْمَشْكُوكِ فِي وُقُوعِهِ، أَوْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يَقَعَ، لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِاخْتِيَارِهِ لِذَاتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ جُنُوحُهُمْ إِلَيْهِ كَيْدًا وَخِدَاعًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ اقْبَلْ مِنْهُمُ السَّلْمَ، وَفَوِّضْ أَمْرَكَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، فَلَا تَخَفْ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ وَتَوَسُّلَهُمْ بِالصُّلْحِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست