responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 474
وَأَرْكَانِهِ، وَرُوِيَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَأْثُورُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: جِهَادُ الْكَفَّارِ بِالسَّيْفِ، وَجِهَادُ الْمُنَافِقِينَ بِاللِّسَانِ، فَفَسَّرَ الْكَفَّارَ هُنَا بِالْحَرْبِيَّيْنِ، وَسَيَأْتِي مِنْ جِهَادِ الْمُنَافِقِينَ حِرْمَانُهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَمِنْ صَلَاتِهِ عَلَى جَنَائِزِهِمْ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ أُمِرَ رَسُولُ اللهِ أَنْ يُجَاهِدَ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَلْقَهُ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ، فَقَوْلُهُ: " فَلْيَلْقَهُ " يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا فِي جِهَادِ الْأَفْرَادِ بِالْمُعَامَلَةِ، لَا فِي جِهَادِ الْجَمَاعَاتِ بِالْمُقَاتَلَةِ، فَهُوَ إِذًا بِمَعْنَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ فِي قَوْلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ - إِلَّا الْبُخَارِيَّ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ، وَزَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لِقَاءُ الْكَافِرِ أَوِ الْمُنَافِقِ بِوَجْهٍ مُكْفَهِرٍّ أَيْ: عَبُوسٍ مُقَطَّبٍ، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ جَعْلُهُ دُونَ
كَرَاهَةِ الْقَلْبِ، وَلَا أَنَّ كَرَاهَةَ الْقَلْبِ لَا تُسْتَطَاعُ، وَلَمْ نَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ فَنَعْرِفُ مَكَانَهُ مِنَ الصِّحَّةِ.
وَكَانَ مِنْ شَمَائِلِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ طَلَاقَةُ الْوَجْهِ، وَالْبَشَاشَةُ فِي وُجُوهِ جَمِيعِ مَنْ يَلْقَاهُمْ حَتَّى الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، رَوَى الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: " أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " يَا عَائِشَةُ مَتَّى عَهِدْتِنِي فَاحِشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ " وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّاجِحِ عُيَيْنَةَ ابْنَ حِصْنٍ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي سِيَاقِ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بَعْدَ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَسِيَاقِ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، وَكَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ عَلَى حَمَاقَتِهِ، فَلُقِّبَ بِالْأَحْمَقِ الْمُطَاعِ وَقَدْ أَسْلَمُوا تَبَعًا لَهُ، فَكَانَ إِسْلَامُهُمْ أَصَحَّ مِنْ إِسْلَامِهِ.
وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ شَمَائِلِ النَّبِيِّ وَآدَابِهِ الْعَامَّةِ.
وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي مُعَامَلَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارِ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعُقُوبَةِ، فَالْأَوَّلُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (3: 159) وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَالثَّانِي مُفَسِّرٌ لِلْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَفِي مَعْنَاهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً (9: 123) وَالْغِلْظَةُ فِي اللُّغَةِ: الْخُشُونَةُ وَالشِّدَّةُ، وَمُعَامَلَةُ الْعَدُوِّ الْمُحَارِبِ بِهِمَا مِنَ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ، وَمُعَامَلَتُهُ بِاللِّينِ وَالرَّحْمَةِ وَضْعٌ لَهُمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا.
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ فِي الْعُلَا ... مُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ فِي مَوْضِعِ النَّدَى

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 474
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست