responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 447
أَظْهَرُوا كَفْرَهُمْ؛ لِأَنَّ قَاعِدَةَ شَرْعِيَّتِهِ الْحُكْمُ عَلَى الظَّوَاهِرِ. وَجَعَلَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ أَبْلَغُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إِطْمَاعٌ لَهُمْ بِالْمُوَافَقَةِ ثُمَّ كَرٌّ عَلَى طَمَعِهِمْ بِالْحَسْمِ وَأَعْقَبَهُمْ فِي تَنَقُّصِهِ بِالْيَأْسِ مِنْهُ، وَيُضَاهِي هَذَا مِنْ مُسْتَعْمَلَاتِ الْفُقَهَاءِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ فِي أَوَّلِهِ إِطْمَاعًا لِلْخَصْمِ بِالتَّسْلِيمِ، ثُمَّ بِالطَّمَعِ عَلَى قُرْبٍ وَلَا شَيْءَ أَقْطَعُ مِنَ الْأَطْمَاعِ ثُمَّ الْيَأْسِ يَتْلُوهُ وَيَعْقُبُهُ اهـ.
ثُمَّ فَسَّرَ الْمُرَادَ مِنْ أُذُنِ الْخَيْرِ بِأَفْضَلِ الْخَيْرِ وَأَعْلَاهُ عَلَى طَرِيقِ الْبَيَانِ الْمُسْتَأْنَفِ فَقَالَ: يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ: يُصَدِّقُ بِاللهِ تَعَالَى وَمَا يُوحِيهِ إِلَيْهِ مِنْ خَبَرِكُمْ وَخَبَرِ غَيْرِكُمْ، وَهُوَ الْخَبَرُ الْقَطْعِيُّ الصِّدْقُ، الَّذِي لَا يَحُومُ حَوْلَهُ الشَّكُّ؛
لِأَنَّهُ بُرْهَانِيٌّ وِجْدَانِيٌّ عِيَانِيٌّ لَهُ بِمَا كَشَفَهُ اللهُ لَهُ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَإِيمَانُهُ بِهِ أَثْبَتُ وَأَرْسَخُ فِي الْيَقِينِ مِنْ تَصْدِيقِ غَيْرِهِ بِمَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ، وَيُصَدِّقُ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ تَصْدِيقَ ائْتِمَانٍ وَجُنُوحٍ لَلْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقَيِ الْإِيمَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ الَّذِينَ بَرْهَنُوا عَلَى صِدْقِهِمْ بِجِهَادِهِمْ مَعَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَهُوَ يُصَدِّقُ أَخْبَارَهُمْ لَا لِذَاتِهَا بِمُجَرَّدِ سَمَاعِهَا، بَلْ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ آيَاتِ إِيمَانِهِمُ الَّذِي يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الصِّدْقَ وَلَا سِيَّمَا الصِّدْقُ بِمَا يُحَدِّثُونَهُ بِهِ، وَلِمَا يَجِدُهُ فِي أَخْبَارِهِمْ مِنْ أَمَارَاتِهِ وَآيَاتِهِ. وَيَتَضَمَّنُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِيمَانَ تَسْلِيمٍ وَائْتِمَانٍ، وَلَا يُصَدِّقُهُمْ فِي أَخْبَارِهِمْ وَإِنْ وَكَّدُوهَا بِالْأَيْمَانِ كَمَا ظَنَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: هُوَ أُذُنٌ اغْتِرَارًا بِلُطْفِهِ وَأَدَبِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ كَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ، وَبِمُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ كَمَا يُعَامِلُ أَمْثَالَهُمْ مِنْ عَامَّةِ أَصْحَابِهِ. وَفِي هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ وَتَخْوِيفٌ. بِأَنْ يُنْبِئَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَا كَانُوا يُسِرُّونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ (64) وَتَخْوِيفٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُسِيئُونَ الظَّنَّ فِيهِمْ كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى كُفْرِهِمْ فَيُخْبِرُوهُ بِهِ فَيَأْذَنَ بِالِانْتِقَامِ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أُذُنَ خَيْرٍ لَهُمْ مَعَ هَذَا فَهُوَ مُعَامَلَتُهُ لَهُمْ بِالْحِلْمِ وَمَا يَقْتَضِيهِ حُكْمُ الشَّرْعِ مِنَ الْعَمَلِ بِالظَّوَاهِرِ، وَمِنْهَا قَبُولُ الْمَعَاذِيرِ قَبْلَ نَهْيِهِمْ عَنْهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَلَوْ كَانَ يُعَامِلُهُمْ بِمُقْتَضَى مَا يَسْمَعُ عَنْهُمْ - كَمَا تَقْتَضِيهِ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ أُذُنٍ لَمَا سَلِمُوا مِنْ عِقَابِهِ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ السُّوءِ عَنْهُمْ كَثِيرَةٌ بِكَثْرَةِ أَعْمَالِ السُّوءِ فِيهِمْ، فَلَوْ كَانَ يَقْبَلُ أَخْبَارَ الشَّرِّ لَقَبِلَهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ فِيهِمْ وَلَعَاقَبَهُمْ عَلَيْهَا.
وَفَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ قِرَاءَةَ التَّنْوِينِ فِي قَوْلِهِ (أُذُنُ خَيْرٍ) بِأَنَّ كُلًّا مِنَ اللَّفْظَيْنِ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أُذُنٌ، هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، يَعْنِي إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ مَعَاذِيرَكُمْ وَلَا يُكَافِئُكُمْ عَلَى سُوءِ دَخِيلَتِكُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أُذُنٌ ذُو خَيْرٍ لَكُمْ، أَوْ بِمَعْنَى: أَخْيَرُ لَكُمْ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 447
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست