responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 446
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (33: 57، 58) فَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَأْثُورِ تَفْسِيرُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ بِالَّذِينِ نَسَبُوا إِلَيْهِ الِابْنَ وَالْبَنَاتِ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَهُ بِالَّذِينِ شَجُّوا رَأْسَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبِالَّذِينِ كَانُوا يُكَذِّبُوا بِرِسَالَتِهِ وَيَقُولُونَ: سَاحِرٌ، وَشَاعِرٌ وَكَاهِنٌ. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالطَّاعِنِينَ فِي الْأَعْرَاضِ، وَبِالزُّنَاةِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ النِّسَاءَ لِمُرَاوَدَتِهِنَّ. وَنَاهِيكَ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِلْجَمِيعِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: (أُذُنٌ) فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّخْصِ بِاسْمِ الْجَارِحَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِهِ بِوَظِيفَتِهَا وَهُوَ كَثْرَةُ السَّمْعِ لِمَا يُقَالُ وَتَصْدِيقُهُ كَأَنَّهُ كُلَّهُ أُذُنٌ سَامِعَةٌ، كَقَوْلِهِمْ لِلْجَاسُوسِ عَيْنٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى لَازِمِهِ وَهُوَ عَدَمُ الدِّقَّةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يُسْمَعُ، وَتَصْدِيقُ مَا يُعْقَلُ وَمَا لَا يُعْقَلُ، فَيُرَادُ بِهِ الذَّمُّ بِالْغَرَارَةِ وَسُرْعَةِ الِانْخِدَاعِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ عُيُوبِ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ قَبُولِ الْغِشِّ بِالْكَذِبِ وَالنَّمِيمَةِ وَتَقْرِيبِ الْمُنَافِقِينَ، وَإِبْعَادِ النَّاصِحِينَ. وَكَانَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُعَامِلُ الْمُنَافِقِينَ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَآدَابِهَا الَّتِي يُعَامِلُ بِهَا عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِبِنَاءِ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الظَّوَاهِرِ، فَظَنُّوا أَنَّهُ يُصَدِّقُ كُلَّ مَا يُقَالُ لَهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: (أُذُنٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَنَافِعٌ بِسُكُونِ الذَّالِ وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَقَدْ لَقَّنَهُ اللهُ تَعَالَى الرَّدَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أَيْ: نَعَمْ هُوَ
أُذُنٌ وَلَكِنَّهُ نِعْمَ الْأُذُنُ؛ لِأَنَّهُ أُذُنُ خَيْرٍ لَا كَمَا تَزْعُمُونَ، فَهُوَ لَا يَقْبَلُ مِمَّا يَسْمَعُهُ إِلَّا الْحَقَّ وَمَا وَافَقَ الشَّرْعَ، وَمَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالْمَصْلَحَةُ لِلْخَلْقِ، وَلَيْسَ بِأُذُنٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَسَمَاعِ الْبَاطِلِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ، فَهُوَ لَا يُلْقِي سَمْعَهُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ، وَلَا يُصَدِّقُ مَا لَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا، كَمَا هُوَ شَأْنُ مَنْ يُوصَفُونَ بِهَذَا الْوَصْفِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالزُّعَمَاءِ فَيَسْتَعِينُ الْمُتَمَلِّقُونَ وَأَصْحَابُ الْأَهْوَاءِ بِهِ عَلَى السِّعَايَةِ عِنْدَهُمْ؛ لِإِبْعَادِ النَّاصِحِينَ الْمُخْلِصِينَ عَنْهُمْ، وَحَمْلِهِ عَلَى إِيذَاءِ مَنْ يَبْغُونَ إِيذَاءَهُ، وَالْإِضَافَةُ هُنَا إِضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَرَأَ نَافِعٌ (أُذُنٌ) بِالتَّنْوِينِ وَ (خَيْرٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةً لَهُ.
وَالرَّدُّ مِنْ بَابِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ فَهُوَ فِي أَوَّلِهِ يُوَافِقُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ، ثُمَّ يُتْبِعُهُ مَا يَنْقُضُهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْقَضَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقُونَ وَهُمْ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ (63: 28) الْآيَةَ. فَهُمْ كَانُوا يَعْنُونَ أَنَّهُمُ الْأَعِزَّةُ، وَيُعَرِّضُونَ بِالرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ فَقَلَبَ عَلَيْهِمْ مُرَادَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَصْلِ الْقَضِيَّةِ وَهِيَ إِخْرَاجُ الْأَعَزِّ لِلْأَذَلِّ بِإِثْبَاتِ الْعِزَّةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَالتَّعْرِيضِ بِأَنَّهُمْ هُمُ الْأَذَلُّونَ وَلَوْ شَاءَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَأَخْرَجَهُمْ، وَلَكِنَّهُ لَا يَفْعَلُ إِلَّا إِذَا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 446
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست