responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 410
مِنْ قَبْلِ هَذَا الْعَهْدِ - عَهْدِ غَزْوَةِ تَبُوكَ - وَأَوَّلُهُ مَا كَانَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا (3: 122) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا خَرَجُوا إِلَى أُحُدٍ اعْتَزَلَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ زَعِيمُ الْمُنَافِقِينَ بِنَحْوِ ثُلُثِ الْجَيْشِ فِي مَوْضِعٍ يُسَمَّى الشَّوْطَ، بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ، وَطَفِقَ يَقُولُ لَهُمْ فِي النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي. وَفِي رِوَايَةٍ: أَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ، فَمَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا؟ وَكَانَ رَأْيُ ابْنِ أُبَيٍّ لَعَنَهُ اللهُ عَدَمَ الْخُرُوجِ إِلَى أُحُدٍ، وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ - وَلَا سِيَّمَا الشُّبَّانُ - الْخُرُوجَ فَعَمِلَ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِرَأْيِ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ أَيْضًا، فَرَجَعَ ابْنُ أُبَيٍّ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَكَادَ يَفْشَلُ بَنُو سَلَمَةَ مِنَ الْأَوْسِ وَبَنُو حَارِثَةَ مِنَ الْخَزْرَجِ
بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فَعَصَمَهُمَا اللهُ تَعَالَى مِنَ الْفِتْنَةِ بِفَضْلِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللهُ وَلِيُّهُمَا (3: 122) وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْجُزْءِ الرَّابِعِ.
وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ أَيْ: دَبَّرُوا لَكَ الْحِيَلَ وَالْمَكَايِدَ، وَدَوَّرُوا الْآرَاءَ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِهَا لِإِبْطَالِ دِينِكَ، وَفَضِّ قَوْمِكَ مِنْ حَوْلِكَ، فَإِنَّ تَقْلِيبَ الشَّيْءِ تَصْرِيفُهُ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِهِ، وَالنَّظَرُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنْ أَنْحَائِهِ؛ لِيُعْلَمَ أَيُّهَا الْأَوْلَى بِالِاخْتِيَارِ. وَمَا زَالَ لِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ ضِلْعٌ مَعَ الْيَهُودِ، وَضِلْعٌ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فِي كُلِّ مَا فَعَلَا مِنْ عَدَاوَتِكَ وَقِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ بِالنَّصْرِ الَّذِي وَعَدَكَ بِهِ رَبُّكَ، وَكَانُوا بِهِ يَمْتَرُونَ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَارِهُونَ أَيْ: ظَهَرَ دِينُ اللهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالتَّنْكِيلِ بِالْيَهُودِ الْغَادِرِينَ، وَالنَّصْرِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِبْطَالِ الشِّرْكِ بِفَتْحِ مَكَّةَ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ أَفْوَاجًا، وَهُمْ كَارِهُونَ لِذَلِكَ، حَتَّى كَانُوا بَعْدَ الْفَتْحِ يُمَنُّونَ أَنْفُسَهُمْ بِظُهُورِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي حُنَيْنٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا بَلَغَهُ عَنْهَا، وَبَعْضُ الْقَوْمِ يُحَدِّثُ مَا لَمْ يُحَدِّثْ بَعْضٌ، وَكُلٌّ قَدِ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَذَلِكَ فِي زَمَانِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَشِدَّةِ الْحَرِّ، وَجَدْبٍ مِنَ الْبِلَادِ. وَحِينَ طَابَ الثَّمَرُ، وَأُحِبَّتِ الظِّلَالُ، وَالنَّاسُ يُحِبُّونَ الْمَقَامَ فِي ثِمَارِهِمْ وَظِلَالِهِمْ، وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوصَ عَنْهَا عَلَى الْحَالِ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَلَّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إِلَّا كَنَّى عَنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ الَّذِي يُصْمَدُ لَهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ، وَشِدَّةِ الزَّمَانِ، وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ الَّذِي
صَمَدَ لَهُ؛ لِيَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِذَلِكَ أَهُبَتَهُ، فَأَمَرَ النَّاسَ بِالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ الرُّومَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْكُرْهِ لِذَلِكَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 410
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست