responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 409
مِنْ أَقْوَالِكُمْ فَيُلْقُونَهَا إِلَيْهِمْ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ رَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَدَّمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَسَمَاعُ التَّشْدِيدِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لَا يَخْتَصُّ بِمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ فِيهَا؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ اسْتَأْذَنُوا لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ مُتَمَيِّزِينَ بِحَيْثُ تَكُونُ لَهُمْ هَيْئَةٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الْجَيْشِ تَتَّخِذُ الْجَوَاسِيسَ لِتَنْظِيمِ عَمَلِهَا.
وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَغَيْرِهِمْ، أَيْ: مُحِيطٌ عِلْمًا بِذَوَاتِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ، وَبِمَا هُمْ مُسْتَعِدُّونَ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِمَّا وَقَعَ، وَمِمَّا لَمْ يَقَعْ وَلَا يَقَعُ، كَكَوْنِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ لَا يَزِيدُونَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيهِمْ إِلَّا خَبَالًا إِلَخْ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي حُلَفَاءِ الْيَهُودِ مِنْهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُغْرُونَهُمْ بِعَدَاوَةِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيُغْرُونَهُمْ بِمَا يَعِدُونَهُمْ بِهِ مِنْ نَصْرِهِمْ عَلَيْهِ الَّذِي حَكَاهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَكَذَّبَهُمْ فِيهِ بِقَوْلِهِ: لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (59: 12) فَأَحْكَامُهُ تَعَالَى فِيهِمْ عَلَى عِلْمٍ تَامٍّ، لَيْسَ فِيهَا ظَنٌّ، وَلَا اجْتِهَادٌ كَاجْتِهَادِ الرَّسُولِ فِي الْإِذْنِ لَهُمْ، الَّذِي تُثْبِتُ هَذِهِ الْآيَةُ نَفْسُهَا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَهُمْ شَرٌّ لَا خَيْرٌ، وَضَعْفٌ لَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إِذَا لَمْ يَأْذَنُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ وَمَنْ أَعْلَمَهُ اللهُ، وَلَمْ يُعْلِمْهُ تَعَالَى بِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ.
فَاجْتِهَادُهُ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِيهِمْ كَاجْتِهَادِهِ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأَعْمَى (عَبْدِ اللهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) عِنْدَمَا جَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُو أَكَابِرَ رِجَالِ قُرَيْشٍ إِلَى الْإِسْلَامِ،
وَقَدْ لَاحَ لَهُ بَارِقَةُ رَجَاءٍ فِي إِيمَانِهِمْ بِتَحَدُّثِهِمْ مَعَهُ، فَإِنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلِمَ أَنَّ إِقْبَالَهُ عَلَيْهِ يُنَفِّرُهُمْ، وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ طَرِيقَ دَعْوَتِهِمْ، وَكَانَ يَرْجُو بِإِيمَانِهِمُ انْتِشَارَ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْعَرَبِ فَتَوَلَّى عَنْهُ، وَتَلَهَّى بِهَذِهِ الْفِكْرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ قَبْلَ إِعْلَامِ اللهِ تَعَالَى أَنَّ سُنَّتَهُ فِي الْبَشَرِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ مَنْ يَتَّبِعُ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُصْلِحِينَ فُقَرَاءَ الْأُمَمِ وَأَوْسَاطَهَا، دُونَ أَكَابِرِ مُجْرِمِيهَا الْمُتْرَفِينَ وَرُؤَسَائِهَا الَّذِينَ يَرَوْنَ فِي اتِّبَاعِ غَيْرِهِمْ ضَعَةً بِذَهَابِ رِيَاسَتِهِمْ، وَمُسَاوَاتِهِمْ لِمَنْ دُونَهُمْ إِلَخْ. فَيَكْفُرُونَ عِنَادًا وَيَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللهِ اسْتِكْبَارًا لَا اعْتِقَادًا.
وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تَرْبِيَةِ رَسُولِهِ وَتَكْمِيلِهِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ بَعْضَ الْحَقَائِقِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ الشَّخْصِيِّ الْبَشَرِيِّ فِيهَا؛ لِتَكُونَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِهِ وَأَنْفُسِ أَتْبَاعِهِ، فَيَحْرِصُوا عَلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَلَا يُبِيحُوا لِأَنْفُسِهِمْ تَحْكِيمَ آرَائِهِمْ أَوْ أَهْوَائِهِمْ فِيهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُونَ الَّذِينَ أَوْرَثَهُمُ اللهُ بِهِدَايَةِ كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَرَكُوهَا، فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الْجَهْلُ وَالنِّفَاقُ، فَسَلَبَهُمْ ذَلِكَ الْمُلْكَ الْعَظِيمَ، فَهَلْ يَفْقَهُ أَهْلُ عَصْرِنَا وَيَعْتَبِرُونَ؟ وَمَتَى يَتَدَبَّرُونَ وَيَهْتَدُونَ؟ .
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أَيْ: تَاللهِ لَقَدِ ابْتَغَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِيقَاعَ الْفِتْنَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 409
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست