responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 399
وَهُوَ زَعْمٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ كَافَّةٌ، مِنْ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفْسِير الثَّانِيَةِ. وَبِمِثْلِ هَذَا وَذَاكَ أَضَاعَ الْمُسْلِمُونَ مُلْكَهُمْ، وَصَارَ أَكْثَرُهُمْ عَبِيدًا لِأَعْدَائِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى مَا يَجِبُ مِنْ هَذَا النَّفْرِ بِقَوْلِهِ: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَيْ: وَجَاهِدُوا أَعْدَاءَكُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ مِنَ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، بِبَذْلِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَإِقَامَةِ مِيزَانِ الْعَدْلِ. فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِمَالِهِ وَبِنَفْسِهِ مَعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ بِهِمَا، وَمَنْ قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِي قُدْرَتِهِ مِنْهُمَا. كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يُنْفِقُ كُلٌّ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْقِتَالِ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلٌ مِنَ الْمَالِ بَذَلَ مِنْهُ فِي تَجْهِيزِ غَيْرِهِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي تَجْهِيزِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَكَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ مِنْ أَغْنِيَاءِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَهَكَذَا يَفْعَلُ أَهْلُ نَجْدٍ الْآنَ.
وَلَمَّا صَارَ بَيْتُ الْمَالِ غَنِيًّا بِكَثْرَةِ الْغَنَائِمِ صَارَ الْأَئِمَّةُ وَالسَّلَاطِينُ يُجَهِّزُونَ الْجَيْشَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَئِمَّةِ الْيَمَنِ يَدَّخِرُونَ الْمَالَ لِأَجْلِ الْقِتَالِ، وَيُنْفِقُونَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ طُولَ السَّنَةِ؛ لِتَكُونَ مُسْتَعِدَّةً لِلْقِتَالِ كُلَّمَا اسْتُنْفِرَتْ لَهُ. وَالدُّوَلُ الْمُنَظَّمَةُ تُقَرِّرُ فِي كُلِّ عَامٍ مَبْلَغًا مُعَيَّنًا مِنَ الْمَالِ فِي مِيزَانِيَّةِ الدَّوْلَةِ لِلنَّفَقَاتِ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ بَرِّيَّةٍ وَبَحْرِيَّةٍ وَهَوَائِيَّةٍ. وَإِذَا وَقَعَتِ الْحَرْبُ يَزِيدُونَ فِي هَذِهِ الْمَبَالِغِ، وَيُجَدِّدُونَ لَهَا كَثِيرًا مِنَ الضَّرَائِبِ، بَلْ يَجْعَلُونَ جَمِيعَ أَمْوَالِ الدَّوْلَةِ وَالْأُمَّةِ وَمَصَالِحِهَا وَمَرَافِقِهَا تَحْتَ نُفُوذِ قُوَّادِ الْحَرْبِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالنِّظَامِ لَا بِالِاسْتِبْدَادِ، وَالْمُسْلِمُونَ أَوْلَى مِنْهُمْ بِكُلِّ مَا ذُكِرَ.
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أَيْ: ذَلِكُمُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ النَّفْرِ وَالْجِهَادِ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مَرَامِي الْأُمَمِ حِفْظِ حَقِيقَتِهَا، وَعُلُوِّ كَلِمَتْهَا، وَتَقْرِيرِ سِيَاسَتِهَا - خَيْرٌ لَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، أَيْ: خَيْرٌ فِي نَفْسِهِ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مُقَابِلِهِ، أَوْ خَيْرٌ مِنَ الْقُعُودِ
وَالْبُخْلِ عَنْهُ، أَمَّا الدُّنْيَا فَلَا حَيَاةَ لِلْأُمَمِ فِيهَا، وَلَا عِزَّ وَلَا سِيَادَةَ إِلَّا بِالْقُوَّةِ الْحَرْبِيَّةِ، وَالْقُعُودِ عَنِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ يُغْرِي الْأَعْدَاءَ بِالْقَاعِدِينَ الْعَاجِزِينَ، وَحُبُّ الرَّاحَةِ يَجْلِبُ التَّعَبَ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَلَا سَعَادَةَ فِيهَا إِلَّا لِمَنْ يَنْصُرُ الْحَقَّ، وَيُقِيمُ الْعَدْلَ، وَيَتَحَلَّى بِالْفَضَائِلِ، وَيَتَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ، بِاتِّبَاعِ الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَالْعَمَلِ بِالشَّرْعِ الْعَادِلِ الْحَكِيمِ. وَلَا يُمْكِنُ هَذَا كُلُّهُ إِلَّا بِاسْتِقْلَالِ الْأُمَّةِ بِنَفْسِهَا، وَقُدْرَتِهَا عَلَى حِفْظِ سِيَادَتِهَا وَسُلْطَانِهَا بِقُوَّتِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَلَا سِيَّمَا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ (8: 60) وَفِي أَوَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 399
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست