responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 395
أَوْقَعَكُمْ فِي هَذِهِ الْجَهَالَاتِ التَّعَصُّبُ الذَّمِيمُ، وَسُوءُ النِّيَّةِ فِيهِ، وَحَسَبِي فِي إِثْبَاتِ جَهْلِكُمْ مَا بَيَّنْتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْجُمْلَةِ مِنْ مَعْنَى الْحُزْنِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، وَأَنَّ جُمْلَةَ لَا تَحْزَنْ لَمْ تُرِدْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي خِطَابِ اللهِ لِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَفِي خِطَابِ الْمَلَائِكَةِ لِلُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْعِصْيَانِ وَالْجُبْنِ يَلْزَمُكُمْ مِنَ الطَّعْنِ فِي الرَّسُولِ الْأَعْظَمِ، وَفِي نَبِيِّ اللهِ لُوطٍ مَا هُوَ صَرِيحُ الْكُفْرِ، بَلْ أَثْبَتَ اللهُ تَعَالَى عُرُوضَ الْحُزْنِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِالْفِعْلِ فِي قَوْلِهِ: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ (6: 33) وَمِنَ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ، وَحَسْبُ الصِّدِّيقِ شَرَفًا أَنْ يَنْهَاهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَمَّا نَهَاهُ رَبُّهُ عَنْهُ، وَأَيُّ شَرَفٍ أَعْلَى مِنْ هَذَا؟ .
(رَابِعًا) أَنَّ مَا زَعَمْتُمُوهُ مِنِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ جُمْلَةِ إِنَّ اللهَ مَعَنَا إِثْبَاتَ الْمَعِيَّةِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَحْدَهُ، لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ إِلَّا عَنْكُمْ بِالتَّبَعِ لِمَلَاحِدَةِ
سَلَفِكُمُ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ قَالُوا مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْعَقَائِدِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مِمَّا يَأْبَاهُ اللَّفْظُ وَالْأُسْلُوبُ وَالسِّيَاقُ وَالْمَقَامُ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِالْكَلَامِ الْإِفْهَامُ، وَمَا زَعَمْتُمُوهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَفْهَمَ صَاحِبَهُ غَيْرَ الْحَقِّ وَأَرَادَ أَنْ يَغُشَّهُ وَيُوهِمَهُ بِالْبَاطِلِ أَنَّ اللهَ مَعَهُمَا؟ حَاشَ لِلَّهِ وَحَاشَ لِرَسُولِهِ، مَا هَذَا إِلَّا مِنْ نَوْعِ تَحْرِيفِ الْيَهُودِ وَالْبَاطِنِيَّةِ لِكَلَامِ اللهِ، بِمَا لَا يَلِيقُ بِاللهِ وَلَا بِرَسُولِهِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَعِيدَةٌ أَشَدَّ الْبُعْدِ عَنْ جُمْلَةِ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (34: 24) الْمُرَادُ بِهَا اسْتِمَالَةُ الْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ لِاسْتِمَاعِ حُجَجِ الْقُرْآنِ وَكَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ (6: 26) وَالتَّرْدِيدُ فِيهَا حَقٌّ؛ فَإِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ لَا مَفَرَّ مِنْ ذَلِكَ فِي نَظَرِ الْعَقْلِ، وَهُوَ لَا يُمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ بِالْفِعْلِ أَنَّ الْمُخَاطِبَ لَهُمْ وَهُوَ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْهُدَى، وَأَنْ يَكُونُوا هُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
وَلَمَّا كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الطَّبْرَسِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ وَمُعْتَدِلِي الشِّيعَةِ أَبَتْ عَلَيْهِ كَرَامَةُ الْعِلْمِ أَنْ يُسَفِّهَ نَفْسَهُ بِنَقْلِ جَهَالَتِهِمُ الَّتِي نَقَلَهَا الرَّازِيُّ وَالْآلُوسِيُّ لِلرَّدِّ عَلَيْهَا، فَكَانَ كُلُّ مَا ضَعَّفَ بِهِ مَنَاقِبَ الصِّدِّيقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي الْآيَةِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِمَا احْتَجَّ غَيْرُهُ مِمَّنْ رَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ مِنِ اتِّسَاقِ مَرْجِعِ الضَّمَائِرِ - وَقَدْ عَلِمْتَ مَا فِيهِ - وَأَشَارَ بَعْدَهُ إِلَى مَا لِلشِّيعَةِ مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَبَى أَنْ يَنْقُلَهُ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِمَا لَا يَجِبُ أَنْ يُتَّهَمَ بِهِ.
(خَامِسًا) زَعْمُكُمْ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ هُوَ الْمُجَهِّزُ لَهُمْ بِشِرَاءِ الْإِبِلِ لَمْ يَثْبُتْ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، بَلِ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ الَّذِي سَرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ شِرَاءِ الصِّدِّيقِ لِلرَّاحِلَتَيْنِ، وَأَخْذِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِإِحْدَاهُمَا بِالثَّمَنِ. وَلَوْ ثَبَتَ قَوْلُكُمْ لَمْ يَكُنْ دَالًّا عَلَى مَا زَعَمْتُمُوهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 395
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست