responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 28
الْكُفْرَ، وَ " وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " هُمْ ضِعَافُ الْإِيمَانِ تَثُورُ بِهِمُ الشُّكُوكُ وَالشُّبُهَاتُ تَارَةً فَتُزَلْزِلُ اعْتِقَادَهُمْ، وَتَسْكُنُ تَارَةً فَيَكُونُونَ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَلْ يُمَيِّزُ أَهْلَ الْيَقِينِ مِنَ الضُّعَفَاءِ إِلَّا الِامْتِحَانُ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّدَائِدِ؟ لَمْ يَرَ الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ هُمْ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْهُمْ مِنْ مَرْضَى الْقُلُوبِ عِلَّةً يُعَلِّلُونَ بِهَا هَذَا الْإِقْدَامَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ إِلَّا الْغُرُورَ بِالدِّينِ، وَلَعَمْرُ الْإِنْصَافِ إِنَّ هَذَا لَأَقْرَبُ تَعْلِيلٍ مَعْقُولٍ لِأَمْثَالِهِمُ الْمَحْرُومِينَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ بِاللهِ، وَالثِّقَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِمَّا وَرَدَ فِي " أَهْلِ بَدْرٍ " مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ، وَلَا مِنَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَإِنَّ ضُعَفَاءَهُمْ قَدْ مَحَّصَهُمُ اللهُ بِمَا كَانَ مِنْ جِدَالِهِمْ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ
وَمُصَارَحَتِهِمْ لَهُ فِي كَرَاهَةِ الْقِتَالِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَبِاقْتِنَاعِهِمْ بِجَوَابِهِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ - ثُمَّ أَتَمَّ تَمْحِيصَهُمْ بِخَوْضِهِمُ الْمَعْرَكَةَ، فَهُمْ مِنَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ بِأَنَّهُ غَرَّهُمْ دِينُهُمْ، وَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ: " غَرَّهُمْ دِينُهُمْ " وَهُوَ تَبَرُّؤٌ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ؟ فَإِنْ صَحَّ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " هُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْمُسْلِمِينَ " يَكُونُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعْدُودِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْغُزَاةِ، وَإِلَّا كَانَ خَطَأً مَرْدُودًا، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ فِي سَنَةِ يَوْمِ بَدْرٍ يُمَيَّزُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بِنَفْسِهِ، وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ فِيهَا كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ إِسْحَاقَ وَمَعْمَرٍ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: فِئَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أُمَيَّةَ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ خَرَجُوا مَعَ قُرَيْشٍ مِنْ مَكَّةَ وَهُمْ عَلَى الِارْتِيَابِ فَحَبَسَهُمُ ارْتِيَابُهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالُوا: غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى مَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَيَّارٍ سَوَاءً.
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ أَيْ: يَكِلُ إِلَيْهِ أَمْرَهُ مُؤْمِنًا إِيمَانَ إِذْعَانٍ وَاطْمِئْنَانٍ بِأَنَّهُ هُوَ حَسْبُهُ وَكَافِيهِ وَنَاصِرُهُ وَمُعِينُهُ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، عَزِيزٌ لَا يَغْلِبُهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ: فَهُوَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى عِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ عِنْدَ إِيمَانِهِمْ بِهِ، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ: يَكْفِيهِمْ مَا أَهَمَّهُمْ، وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، وَعَظُمَ اسْتِعْدَادُهُمْ؛ لِأَنَّهُ عَزِيزٌ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، حَكِيمٌ يَضَعُ كُلَّ أَمْرٍ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِ النِّظَامُ وَالتَّقْدِيرُ فِي سُنَنِهِ، وَمِنْهُ نَصْرُ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَدْخُلُ عِنَايَتُهُ بِالْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْآيَاتِ، وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ (كَمَا حَصَلَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَآيَاتُ اللهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا) وَإِنْ أَجْمَعَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ
التَّوَكُّلَ لَا يَقْتَضِي تَرْكَ الْأَسْبَابِ مِنَ الْعَبْدِ، وَلَا الْخُرُوجَ عَنِ السُّنَنِ الْعَامَّةِ فِي أَفْعَالِ الرَّبِّ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ مُفَصَّلًا مِنْ قَبْلُ.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 28
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست