responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 27
فَتَشَبَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَنَخَرَ فِي وَجْهِهِ فَخَرَّ صَعِقًا فَقِيلَ لَهُ: وَيْلَكَ يَا سُرَاقَةُ، عَلَى هَذِهِ الْحَالِ تَخْذُلُنَا وَتَبْرَأُ مِنَّا؟ فَقَالَ: " إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ " إِلَخْ. وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ مَا أَوَّلُهُ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ جَرِيرٍ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ " فِي صُورَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ " وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ رَأَى رَمْيَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الْمُشْرِكِينَ بِقَبْضَةِ التُّرَابِ فَهَزِيمَتُهُمْ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: فَأَقْبَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى إِبْلِيسَ فَلَمَّا رَآهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ انْتَزَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَلَّى مُدْبِرًا وَشِيعَتُهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا سُرَاقَةُ أَتَزْعُمُ أَنَّكَ جَارٌ لَنَا؟ فَقَالَ: " إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ " إِلَخْ.
(أَقُولُ) : أَمَّا الْكَلْبِيُّ فَرِوَايَتُهُ التَّفْسِيرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ أَوْهَى الرِّوَايَاتِ وَأَضْعَفُهَا كَمَا قَالَ الْمُحَدِّثُونَ. قَالُوا: فَإِنِ انْضَمَّ إِلَيْهَا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ السُّدِّيِّ الصَّغِيرِ فَهِيَ سِلْسِلَةُ الْكَذِبِ. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ فَرِوَايَتُهُ عَنْهُ أَجْوَدُ الرِّوَايَاتِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِمَا مِنَ الثِّقَاتِ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ، وَلَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ابْنَ خَمْسِ سِنِينَ فَرِوَايَتُهُ لِأَخْبَارِهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. وَرَوَى ذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْوَاقِدِيُّ غَيْرُ ثِقَةٍ فِي الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الرِّوَايَاتِ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَأَصِلُهَا أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ عَدَاوَةٌ وَحَرْبٌ سَابِقَةً فَخَافُوا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ فِي أَثْنَاءِ قِتَالِهِمْ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَالْمُؤْمِنِينَ فَرُئِيَ سُرَاقَةُ أَكْبَرُ زُعَمَائِهِمْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَضْمَنُ لَهُمْ مَا كَادَ يَثْنِيهِمْ عَنِ الْخُرُوجِ. وَخَرَجَ مَعَهُمْ يُثَبِّتُهُمْ وَيَقُولُ: لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ، ثُمَّ رُئِيَ عِنْدَ تَرَائِي
الْفِئَتَيْنِ هَارِبًا مُتَبَرِّئًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا رَجَعَ فَلُّهُمْ إِلَى مَكَّةَ كَانُوا يَقُولُونَ: هَزَمَ النَّاسَ سُرَاقَةُ. فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنِّي هَزَمْتُ النَّاسَ، فَوَاللهِ مَا شَعَرْتُ بِمَسِيرِكُمْ حَتَّى بَلَغَتْنِي هَزِيمَتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا أَتَيْتَنَا فِي يَوْمِ كَذَا؟ " فَحَلَفَ لَهُمْ. فَلَمَّا أَسْلَمُوا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ الشَّيْطَانُ، فَهَذَا وَاللهُ أَعْلَمُ سَبَبُ تَخْرِيجِ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرِينَ رِوَايَاتِهِمْ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُئِيَ إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ مُتَمَثِّلًا، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَهُوَ مَا عَلِمْتَ آنِفًا، وَمَا رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَقَدَّمَهُ أَهْلُ التَّفَاسِيرِ الْمَشْهُورَةِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَلْقَى فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَغْلِبَهُمْ إِلَخْ. وَتَقَدَّمَ.
قَدْ كَانَ وَقْتُ تَغْرِيرِ الشَّيْطَانِ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِيهَامِهِمْ أَنَّهُ لَا غَالِبَ لَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، هُوَ بِعَيْنِهِ وَقْتُ تَعَجُّبِ الْمُنَافِقِينَ وَمَرْضَى الْقُلُوبِ فِي الدِّينِ مِنْ إِقْدَامِ هَذَا الْعَدَدِ الْقَلِيلِ الْفَاقِدِ لِكُلِّ اسْتِعْدَادٍ حِسِّيٍّ مِنْ أَسْبَابِ الْحَرْبِ، عَلَى قِتَالِ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْكَبِيرِ الَّذِي يَفُوقُهُ ثَلَاثَةَ أَضْعَافٍ فِي الْعَدَدِ مَعَ كَوْنِهِ لَا يَنْقُصُهُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ فَالظَّرْفُ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِـ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَ " الْمُنَافِقُونَ " هُمُ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُسِرُّونَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 27
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست