responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 246
يَسُوقُونَهُ مِنَ الْهَدْيِ لِلْحَرَمِ، وَيَتَمَتَّعُ بِهِ فُقَرَاؤُهُ، فَأَزَالَ تَعَالَى مَا كَانُوا يَخَافُونَ مِنَ الْعَيْلَةِ بِقِلَّةِ مَوَادِّ الْمَعِيشَةِ إِذَا مُنِعَ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْمَجِيءِ إِلَيْهَا بِوَعْدِهِمْ بِأَنْ يُغْنِيَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ، وَفَضْلُهُ كَثِيرٌ فَقَدْ صَارُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَمَنْعُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحَرَمِ أَغْنَى مِمَّا كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَهُمُ الْغِنَى مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، أَسْلَمَ أَهْلُ الْيَمَنِ فَصَارُوا يَجْلِبُونَ لَهُمُ الْمِيرَةَ، بَلْ أَسْلَمَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُمْنَعُ مِنَ الْحَرَمِ، وَلَا مِنَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ تَفَجَّرَتْ يَنَابِيعُ الْغِنَى وَالثَّرْوَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجِيئُونَ إِلَى الْبَيْتِ، وَيَجِيئُونَ مَعَهُمْ بِالطَّعَامِ يَتَّجِرُونَ فِيهِ، فَلَمَّا نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الْبَيْتَ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: فَمِنْ أَيْنَ لَنَا الطَّعَامُ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً إِلَخْ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ، وَكَثُرَ خَيْرُهُمْ حِينَ ذَهَبَ الْمُشْرِكُونَ عَنْهُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُونَ، وَقَدْ نُفِيَ الْمُشْرِكُونَ، وَانْقَطَعَتْ عَنْكُمُ الْعِيرُ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً إِلَخْ. فَأَمَرَهُمْ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَأَغْنَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ اهـ. وَيَعْنِي هُنَا الْغَنَائِمَ، وَفِي مَعْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَغْنَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالْجِزْيَةِ الْجَارِيَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى نَزَلَتْ وَحْدَهَا، فَلَمَّا قَالُوا مَا قَالُوا وَخَافُوا مَا خَافُوا مِنْ عَوَاقِبِهَا نَزَلَتِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ التَّالِيَةُ لَهَا، بَلْ نَزَلَتِ الْآيَةُ كُلُّهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً (كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِهَا) وَكَانَ اللهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَمَا يُلْقِيهِ الْمُنَافِقُونَ وَالشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِ بَعْضِهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ مَقْرُونًا بِهَذَا الْوَعْدِ، فَلَمْ يَدَعْ لِذَلِكَ مَجَالًا.
وَأَمَّا الْغِنَى مِنْ فَضْلِ اللهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا وَرَدَ فِي الرِّوَايَاتِ مُعَيَّنًا وَمُبْهَمًا، فَقَدْ أَغْنَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ ثُمَّ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ
الْغِنَى، فَتَحَ لَهُمُ الْبِلَادَ، وَسَخَّرَ لَهُمُ الْعِبَادَ، فَكَثُرَتِ الْغَنَائِمُ وَالْخَرَاجُ، وَمَهَّدَ لَهُمْ سُبُلَ الْمِلْكِ وَالْمُلْكِ، وَبَسَطَ لَهُمْ فِي الرِّزْقِ، مِنْ إِمَارَةٍ وَتِجَارَةٍ وَزِرَاعَةٍ وَصِنَاعَةٍ، وَكَانَ نَصِيبُ مَكَّةَ نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ عَظِيمًا بِكَثْرَةِ الْحَاجِّ وَأَمْنِ طُرُقِ التِّجَارَةِ.
وَقَيَّدَ هَذَا الْغِنَى بِقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ إِنَّمَا يَكُونُ أَكْثَرُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْحَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ وَاسِعٌ بِسِعَةِ فَضْلِهِ تَعَالَى، وَغَيْبٌ لَا يَخْطُرُ لَهُمْ أَكْثَرُهُ بِبَالٍ، وَقَدْ صَدَقَ وَعْدُهُ بِهِ فَكَانَ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ، وَقَيَّدَهُ بِمَشِيئَتِهِ الَّتِي لَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ فِي حُصُولِ كُلِّ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ - لِتَقْوِيَةِ إِيمَانِهِمْ، وَنَوْطِ آمَالِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَاتِّكَالِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ مُجَرَّدِ كَسْبِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالْكَسْبِ، لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِهِ تَعَالَى فِي الْخَلْقِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْسُبَهُمْ تَوْفِيقَهُ وَتَأْيِيدَهُ لَهُمْ، فَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُمْ وَأَغْنَاهُمْ فِيمَا مَضَى كَمَا وَعَدَهُمْ، وَسَيَزِيدُهُمْ نَصْرًا وَغِنًى إِذَا هُمْ وَفُّوا بِمَا شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 246
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست