responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 206
لِلْجَهْلِ بِالدِّينِ، وَالْحِرْمَانِ مِنْ هِدَايَتِهِ، بِمَا هُوَ مَعْهُودٌ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ
مِنْ إِهْمَالِ تَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ - أُذَكِّرُهُ بِمَا لَا يَسْتَطِيعُ لِلْعَالَمِ الْمَادِّيِّ إِنْكَارَهُ أَوِ الْمُكَابَرَةَ فِيهِ مِنْ مَنْشَأِ حُبِّ الْأُخُوَّةِ فِي النَّفْسِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ مِنَ التَّوَادِّ وَالتَّنَاصُرِ فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ الْبَدَوِيِّ وَالْمَدَنِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ أَخْلَاقِ الْبَشَرِ وَآدَابِهِمْ وَعَادَاتِهِمُ الْمُنْبَعِثَةِ عَنْ طِبَاعِهِمْ وَغَرَائِزِهِمْ، أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالْعَطْفَ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ مَا بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ وَجَمَاعَاتِهِمْ مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِي صِفَاتِ النَّفْسِ الْمَوْرُوثَةِ وَعَوَاطِفِهَا الْمُكْتَسَبَةِ بِالتَّرْبِيَةِ وَالْمُعَاشَرَةِ، وَفِي شُئُونِ الْحَيَاةِ مِنْ طَبِيعِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَفِي الْحُقُوقِ وَالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا لَيْسَ لِمَنْ دُونَهُمْ مِنَ الْأَقَارِبِ، بَلْهَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُمْ مِنَ الْأَجَانِبِ، فَالْأَخُ صِنْوُ أَخِيهِ، مَنْبَتُهُمَا وَاحِدٌ، وَدَمُهُمَا وَاحِدٌ، وَوِرَاثَتُهُمَا النَّفْسِيَّةُ وَالْجَسَدِيَّةُ تَتَسَلْسَلُ مِنْ أَرُومَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ تَفَاوَتَا فِيهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَشْعُرُ بِالِاعْتِزَازِ بِعِزَّةِ الْآخَرِ إِلَى أَنْ يُفْسِدَ فِطْرَتَهُ الْحَسَدُ، وَيَحْفَظَ مِنْ ذِكْرَيَاتِ الطُّفُولَةِ وَالصِّبَا مَا لَهُ سُلْطَانٌ عَظِيمٌ عَلَى النَّفْسِ، وَتَأْثِيرٌ كَبيرٌ فِي آصِرَةِ الرَّحْمَةِ وَالْحُبِّ، وَمَا زَالَ أَهْلُ الْوَسَطِ مِنْ بُيُوتِ النَّاسِ الَّذِينَ سَلِمَتْ فِطْرَتُهُمْ، وَكَرُمَتْ أَخْلَاقُهُمْ، يُحِبُّونَ إِخْوَتَهُمْ كَحُبِّهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، وَيُوَقِّرُونَ كَبِيرَهُمْ تَوْقِيرَهُمْ لِأَبِيهِمْ، وَيَرْحَمُونَ صَغِيرَهُمْ رَحْمَتَهُمْ لِأَبْنَائِهِمْ، وَيَكْفُلُونَ مَنْ يَتْرُكُهُ وَالِدُهُ صَغِيرًا فَيَتَرَبَّى مَعَ أَوْلَادِهِمْ كَأَحَدِهِمْ، وَقَدْ تَكُونُ الْعِنَايَةُ بِهِ أَشَدَّ، وَمَا أَطَلْتُ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ هَذِهِ الْإِطَالَةَ النِّسْبِيَّةَ إِلَّا لِيَكُونَ تَفْسِيرُ كِتَابِ اللهِ الَّذِي أُنْزِلَ لِهِدَايَةِ النَّاسِ، وَإِصْلَاحِ أُمُورِهِمْ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ دَرْءِ مَفَاسِدِ الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ الْقَاطِعَةِ لِلْأَرْحَامِ، الْمُفْسِدَةِ لِلِاجْتِمَاعِ.
(4) حُبُّ الزَّوْجِيَّةِ ضَرْبٌ خَاصٌّ مِنْ شُعُورِ النَّفْسِ لَيْسَ لَهُ فِي أَنْوَاعِهَا ضُرَيْبٌ، فَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ بِهِ اضْطِرَابُ النَّفْسِ مِنْ ثَوْرَةِ الطَّبِيعَةِ الَّتِي تُهَيِّجُهَا دَاعِيَةُ النَّسْلِ، وَغَرِيزَةُ بَقَاءِ النَّوْعِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ بِهِ بَشَرَانِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُتَمِّمًا لِوُجُودِ الْآخَرِ يُنْتِجَانِ بِاتِّحَادِهِمَا بَشَرًا مِثْلَهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي تَفْسِيرِ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ (3: 14) إِلَى آخِرِهِ وَفِي مَقَالَاتِ (الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ)
مِنَ الْمَنَارِ (الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ) وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ هُنَالِكَ عَلَى حُبِّ الْبَنِينَ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ عَلَى حُبِّ الشَّهَوَاتِ، وَهُوَ أَقْوَى الشَّهَوَاتِ الْبَشَرِيَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَخَّرَهُ هُنَا; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُبِّ الْمُعَارِضِ لِحُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَمَا يَخْشَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مُوَالَاةِ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي الْحَرْبِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَقَلَّمَا تَكُونُ زَوْجُ الرَّجُلِ مُعَارِضَةً لَهُ فِي دِينِهِ وَوِلَايَةِ مَنْ يَدِينُ اللهُ بِوِلَايَتِهِ، كَمَا يُعَارِضُهُ أَبُوهُ وَابْنُهُ وَأَخُوهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ دُونَ امْرَأَتِهِ. وَرُوعِيَ التَّرْتِيبُ الطَّبِيعِيُّ فِي عَلَاقَةِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ بِالْمَرْءِ، وَدَرَجَاتِ لُصُوقِهَا بِهِ فِي الْحَيَاةِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّرَقِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 206
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست