responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 204
نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَنَصْرُ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ لِأَجْلِهِ شِرْكٌ، بَلِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّضَاءَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، فَكَيْفَ يَنْصُرُ الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ
بِمُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ وَنَصْرِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؟ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ حُبِّ آبَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ، بَلْ حَذَّرَهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَجِهَادٍ مَا فِي سَبِيلِهِ ; لِأَنَّ هَذَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي. كَذَلِكَ نَهَاهُمْ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ عَنْ مُوَادَّةِ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ إِذَا كَانَتْ لِأَجْلِ الْمُحَادَّةِ، كَمَا يُفِيدُهُ تَرْتِيبُ النَّهْيِ عَلَى فِعْلِهَا، فَإِنَّ الْمَوَدَّةَ هِيَ الْمُعَامَلَةُ الْحَبِيَّةُ، وَالْمُحَادَّةُ شِدَّةُ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، فَاشْتِرَاكُ الْمُؤْمِنِ الْمُحِبِّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَعَ الْمُحَادِّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْمَوَدَّةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى صِفَتَيْهِمَا جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى مُوَالَاتِهِمْ بَلْ أَخَصُّ مِنْهَا.
(2) حُبُّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ لَهُ جَمِيعُ تِلْكَ الْمَنَاشِئِ الْغَرِيزِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ، وَأَنْوَاعِ الشُّعُورِ وَالْعَوَاطِفِ النَّفْسِيَّةِ، وَبَعْضِ تِلْكَ الْحُقُوقِ الْعُرْفِيَّةِ وَالْآدَابِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا جَمِيعِهَا، وَلَكِنَّ حُبَّ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ أَحَرُّ وَأَقْوَى وَأَنْمَى وَأَبْقَى مِنْ عَكْسِهِ، وَهُوَ أَشَدُّ شُعُورًا بِمَعْنَى كَوْنِ وَلَدِهِ بِضْعَةً مِنْهُ، وَكَوْنِ وُجُودِهِ مُسْتَمَدًّا مِنْ وُجُودِهِ، وَيَشْعُرُ مَا لَا يَشْعُرُ مِنْ مَعْنَى كَوْنِهِ نُسْخَةً ثَانِيَةً مِنْهُ يُرْجَى لَهَا مِنَ الْبَقَاءِ مَا لَا يُرْجَى لِلنُّسْخَةِ الْأُولَى، فَهُوَ يَحْرِصُ عَلَى بَقَائِهِ كَمَا يَحْرِصُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ أَشَدَّ، وَيَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّيِّبَاتِ إِيثَارًا لَهُ بِهَا فِي حَاضِرِ أَمْرِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ، وَيُكَابِدُ الْأَهْوَالَ وَيَرْكَبُ الصِّعَابَ، وَكَثِيرًا مَا يَقْتَرِفُ الْحَرَامَ فِي سَبِيلِ السَّعْيِ وَالِادِّخَارِ لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (6: 151) الْآيَةَ، أَنَّ عَاطِفَةَ الْبُنُوَّةِ وَنَعْرَتَهَا مِنْ أَقْوَى غَرَائِزِ الْفِطْرَةِ، وَنَاهِيكَ بِمَا يُنَمِّيهَا فِي النَّفْسِ مِنْ قِيَامِ الْوَالِدِ بِشُئُونِ الْوَلَدِ فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَمَا يُحْدِثُهُ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَاطِفِ فِي الْحَالِ، وَالذِّكْرَيَاتِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَكَوْنِهِ مَنَاطَ الْآمَالِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (18: 46) قَالُوا: الْمَعْنَى أنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ الَّتِي يَبْقَى ثَوَابُهَا لِلْإِنْسَانِ بَعْدَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِنْ زِينَةِ الْمَالِ فِيهَا ثَوَابًا، وَخَيْرٌ مِنَ
الْبَنِينَ فِيهَا أَمَلًا، فَهُوَ نَشْرٌ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَسْبَابَ حُبِّ الْآبَاءِ لِلْبَنِينَ بِالتَّفْصِيلِ فِي تَفْسِيرِ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ (3: 14) إِلَخْ.
(3) حُبُّ الْأُخُوَّةِ يَلِي فِي الرُّتْبَةِ حَبَّ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ، وَالْأَخَوَانِ صِنْوَانِ فِي وَشِيجَةِ الرَّحِمِ، فَالْأَخُ الصَّغِيرُ كَالْوَلَدِ، وَالْكَبِيرُ كَالْوَالِدِ، وَيَخْتَلِفَانِ عَنْهُمَا بِشُعُورِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْبَتِ وَطَبَقَةِ الْقَرَابَةِ. وَقَدْ يُمَارِي فِيهِ بَعْضُ الَّذِينَ أَفْسَدَتْ فِطْرَتَهُمْ نَزَعَاتُ الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنَ التَّقَالِيدِ الْعَادِيَّةِ لَا مَنْشَأَ لَهُ مِنْ غَرَائِزِ النَّفْسِ، وَلَا مُقْتَضَيَاتِ الطَّبْعِ، بَلْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عَدَاوَةَ الْأُخُوَّةِ أَعْرَقُ فِي الْغَرِيزَةِ مِنْ مَحَبَّتِهَا، وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ بِمَا وَرَدَ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 204
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست