responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 191
كَمَنْ أَحَبَّ أَنْ تُنْبِتَ لَهُ أَرْضُهُ غَلَّةً حَسَنَةً كَثِيرَةً وَلَمْ يَزْرَعْهَا. . . إِلَخْ. فَسُنَّةُ اللهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاحِدَةٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
وَمَنْ قَالَ: إِنَّ " عَسَى " هُنَا وَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى: قَالُوا: إِنَّهَا مِنْهُ تَعَالَى لِلْإِيجَابِ وَالْقَطْعِ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّوَقُّعِ وَالظَّنِّ وَعَنِ الْإِطْمَاعِ فِي الشَّيْءِ، وَإِخْلَافِهِ بَعْدَ تَقْرِيبِهِ، وَرَوَوْا هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ فِي الْآيَاتِ الصَّرِيحَةِ فِي وَعْدِ اللهِ تَعَالَى وَخَبَرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ (5: 52) وَقَوْلُهُ: عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً (60: 7) فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ وَعْدٌ قَطْعِيٌّ عِنْدَهُ تَعَالَى فَعَلَى هَذَا تَكُونُ نُكْتَةُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِعَسَى: إِبْهَامُهُ وَعَدَمُ إِعْلَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ، وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ رَأَى أَنَّ هَذَا قَدْ يَرْجِعُ إِلَى مَا فَسَّرَ بِهِ " عَسَى " هُنَا، وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْإِتْيَانِ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ آخَرَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَدَمُ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنْ وُقُوعِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ عَادَوْهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - قَرِيبُ الْوُقُوعِ، فَهُوَ مَرْجُوٌّ وَمُتَوَقَّعٌ فِي نَفْسِهِ بِوُقُوعِ أَسْبَابِهِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، وَيَحْسِبُوا لَهُ حِسَابًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَفِي مَعْنَى هَذَا مَا اخْتَارَهُ شَيْخُنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى " لَعَلَّ " فِي كَلَامِ اللهِ تَعَالَى: الْإِعْدَادُ لِمُتَعَلَّقِهَا. وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ رَاجِعْ (ص155 وَمَا بَعْدَهَا ج 1 ط الْهَيْئَةِ) .
وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ وَصْفَ عَمَارِ الْمَسَاجِدِ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُشْرَعُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فِي عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحُضُورُ فِيهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَ مُقِيمًا لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ فِي الْمَسْجِدِ فَتَحْصُلُ بِهِ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا كَانَ مُؤْتِيًا لِلزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُ فِي الْمَسْجِدِ طَوَائِفُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لِطَلَبِ أَخْذِ الزَّكَاةِ فَتَحْصُلُ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ بِهِ، وَأَمَّا إِذَا حَمَلْنَا
الْعِمَارَةَ عَلَى مَصَالِحِ الْبِنَاءِ، فَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ مُعْتَبَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَاجِبٌ، وَبِنَاءَ الْمَسْجِدِ نَافِلَةٌ، وَالْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنِ الْوَاجِبِ لَا يُشْغَلُ بِالنَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا لِلزَّكَاةِ لَمْ يَشْتَغِلْ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، انْتَهَى بِنَصِّهِ.
وَالَّذِي نَرَاهُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ بَيَانُ الْإِسْلَامِ الْكَامِلِ الَّذِي يَقُومُ أَهْلُهُ بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ بِالْفِعْلِ، كَمَا أَنَّهُمْ هُمْ أَصْحَابُ الْحَقِّ فِيهَا، وَهَذِهِ أُسُسُهُ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا جَمِيعُ رُسُلِ اللهِ تَعَالَى، وَعَلَيْهَا مَدَارُ النَّجَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (2: 62) وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ أَعْظَمَ أَرْكَانِهِ الَّتِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ مُجَرَّدِينَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ فِي صِحَّةِ إِسْلَامِهِمْ قَبُولَهَا كُلَّهَا، أَوْ مَا عَدَا الْبَاطِنَ مِنْهَا، وَهُوَ الْخَشْيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 191
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست