responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 19
قَوْلُهُ: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي مَعْنَاهُ فَجُمِعَ مَعَهُ وَاتَّصَلَ بِهِ - بِخِلَافِ " إِذْ " - فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَلِذَلِكَ جَاءَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَفْصُولَةٌ غَيْرُ مَعْطُوفَةٍ. وَالْخِطَابُ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً،
وَالرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَهُمْ. فَالْمَعْنَى: وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيكُمُ اللهُ الْكُفَّارَ - عِنْدَ التَّلَاقِي مَعَهُمْ - قَلِيلًا بِمَا أَوْدَعَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِوَعْدِ اللهِ بِنَصْرِهِ لَكُمْ، وَبِتَثْبِيتِكُمْ بِمَلَائِكَتِهِ، وَمِنِ احْتِقَارِهِمْ وَالِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ، وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِقِلَّتِكُمْ بِالْفِعْلِ، وَلِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغُرُورِ وَالْعُجْبِ. حَتَّى قَالَ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّمَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَكْلَةُ جَزُورٍ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: نَتَغَدَّاهُمْ وَنَتَعَشَّاهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَزُورًا. وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ لِيَقْدَمَ كُلٌّ مِنْكُمْ عَلَى قِتَالِ الْآخَرِ: هَذَا وَاثِقًا بِنَفْسِهِ، مُدِلًّا بِبَأْسِهِ. وَهَذَا مُتَّكِلًا عَلَى رَبِّهِ، وَاثِقًا بِوَعْدِهِ، حَتَّى إِذَا مَا الْتَقَيْتُمْ ثَبَّتَكُمْ وَثَبَّطَهُمْ، فَيَقْضِي بِإِظْهَارِكُمْ عَلَيْهِمْ أَمْرًا كَانَ فِي عِلْمِهِ مَفْعُولًا، فَهَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ، وَقَدَّرَهَا تَقْدِيرًا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَفْعُولِ غَيْرَ الَّذِي ذُكِرَ قَبْلَهُ وَإِنْ سَهُلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ بِاعْتِبَارِ مَبْدَأِ الْأَمْرِ وَغَايَتِهِ، وَحُسْنِ تَأْثِيرِهِ وَثَمَرَتِهِ، وَقَدْ كَانَ فِي الْفَرِيقَيْنِ عَظِيمًا، فَإِنَّ تَكْرَارَ مَا تَقْتَضِي الْحَالُ تَكْرَارَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْبَلَاغَةِ، وَمَقْصِدٌ مِنْ أَهَمِّ مَقَاصِدِهَا، خِلَافًا لِمَا زَعَمَ مُتَنَطِّعُو الْمُحَسِّنَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فَلَا يُنَفَّذُ شَيْءٌ فِي الْعَالِمِ إِلَّا مَا قَضَاهُ اللهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ أَسْبَابَهُ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ قَائِمَانِ بِسُنَنِهِ تَعَالَى فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، فَهُوَ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَذْهَانِ مَا أَرَادَهُ بِتَأْثِيرِ مَنَامِ الرَّسُولِ، وَبِتَقْلِيلِ كُلٍّ مِنَ الْجَمْعَيْنِ فِي أَعْيُنِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَتِّبَهُمَا عَلَى هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ، وَلَكِنَّهُ نَاطَ كُلَّ شَيْءٍ بِسَبَبٍ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ آيَاتِهِ لِرُسُلِهِ وَتَوْفِيقِهَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ يَكُونَانِ بِتَسْخِيرِ الْأَسْبَابِ لَهُمْ، وَمُوَافَقَةِ اجْتِهَادِهِمْ وَكَسْبِهِمْ لِسُنَنِهِ تَعَالَى فِي الْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْآيَاتِ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ غَيْبِيَّةٍ كَتَأْيِيدِ الْمَلَائِكَةِ وَتَثْبِيبِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 19
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست