responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 18
بِفَكِّ الْإِدْغَامِ وَالْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ الْيَاءِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلٌّ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْحَيَاةِ هُنَا يَشْمَلُ الْحِسِّيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ مِنْهُمَا. وَقَدْ عُرِفَ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا فِي تَفْسِيرِ: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (8: 24) .
وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَلَا مِنْ عَقَائِدِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَهُوَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الصَّادِرَةِ عَنْ عَقِيدَتِهِ، وَالْأَعْذَارِ الَّتِي يَعْتَذِرُ بِهَا عَنْ تَقْصِيرِهِ فِي أَعْمَالِهِ، عَلِيمٌ بِمَا يُخْفِيهِ وَيُكِنُّهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، فَيُجَازِي كُلًّا بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ، وَمَا يَسْمَعُ مِنْهُ - وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ هَذَا الْفُرْقَانَ الَّذِي رَتَّبَهُ اللهُ عَلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ قَامَتْ بِهِ حُجَّةُ اللهِ الْبَالِغَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِمْ كَمَا بَشَّرَهُمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهِيَ حُجَّتُهُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْكَافِرِينَ بِخِذْلَانِهِمْ، وَانْكِسَارِهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ لَا مَجَالَ لِلْمُكَابَرَةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّأْوِيلِ.
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا قَوْلُهُ: إِذْ يُرِيكَهُمُ هُنَا كَقَوْلِهِ قَبْلَهُ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا كِلَاهُمَا بَدَلٌ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَانِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَى
رَسُولَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الْوَقْتِ رُؤْيَا مَنَامِيَّةً مَثَّلَ لَهُ فِيهَا عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا، فَأَخْبَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ فَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ، وَقَوِيَتْ آمَالُهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَمِنَ الْغَرِيبِ أَلَّا تَرَى فِي دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ حَدِيثًا مُسْنَدًا فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ أَيْ: أَحْجَمْتُمْ وَنَكَلْتُمْ عَنْ لِقَائِهِمْ بِشُعُورِ الْجُبْنِ وَالضَّعْفِ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أَيْ: وَلَوَقَعَ بَيْنَكُمُ النِّزَاعُ، وَتَفَرُّقُ الْآرَاءِ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ، فَمِنْكُمُ الْقَوِيُّ الْإِيمَانِ وَالْعَزِيمَةِ يَقُولُ: نُطِيعُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَنُقَاتِلُ، وَمِنْكُمُ الضَّعِيفُ الَّذِي يُثَبِّطُ عَنِ الْقِتَالِ بِمِثْلِ الْأَعْذَارِ الَّتِي جَادَلُوا بِهَا الرَّسُولَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ (8: 6) الْآيَةَ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ، وَأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنَ الْوَحْيِ؟ (قُلْتُ) : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدَّرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ بِأَلْفٍ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ عَدَدَهُمْ 313، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ مَعَ هَذَا أَنَّهُ رَآهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا لَا أَنَّهُمْ قَلِيلٌ فِي الْوَاقِعِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا الرُّؤْيَا بِأَنَّ بَلَاءَهُمْ يَكُونُ قَلِيلًا، وَأَنَّ كَيْدَهُمْ يَكُونُ ضَعِيفًا، فَتَجَرَّءُوا وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ أَيْ: سَلَّمَكُمْ مِنَ الْفَشَلِ وَالتَّنَازُعِ وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَعَوَاقِبِ ذَلِكَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَيْ: عَلِيمٌ بِمَا فِي الْقُلُوبِ الَّتِي فِي الصُّدُورِ مِنْ شُعُورِ الْجُبْنِ وَالْجَزَعِ الَّذِي تَضِيقُ بِهِ فَتَنْكُلُ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ، وَمِنْ شُعُورِ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ الَّذِي يَبْعَثُ فِيهَا طُمَأْنِينَةَ الشَّجَاعَةِ، وَالصَّبْرَ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الْإِقْدَامِ، فَيُسَخِّرُ لِكُلٍّ مِنْهَا الْأَسْبَابَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْهَا.
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 18
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست