responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 189
لِمَا عُلِمَ مِنْ طَمَعِهِمْ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ، وَالتَّوَسُّلِ لَهُ بِمَا يَجْعَلُونَهُ ذَرِيعَةً لِادِّعَاءِ حَقٍّ مَا لَهُمْ فِيهِ، عَلَى كُفْرِهِمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَكِتَابَيْهِمَا، وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا.
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أَيْ: أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ الْكَافِرُونَ بِاللهِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَفْخَرُونَ بِهَا مِنْ عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَسِقَايَةِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَقِرَى الضَّيْفِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، أَيْ: بَطَلَتْ وَفَسَدَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا أَدْنَى تَأْثِيرٍ فِي صَلَاحِ أَنْفُسِهِمْ مَعَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَمَفَاسِدِهِمَا، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَبَطِ وَهُوَ - بِالتَّحْرِيكِ - أَنْ تَأْكُلَ الْبَهِيمَةُ حَتَّى تَنْتَفِخَ وَيَفْسَدَ جَوْفُهَا. قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (39: 65) وَوَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (6: 88) وَأُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (18: 105) .
وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ أَيْ: وَهُمْ مُقِيمُونَ فِي دَارِ الْعَذَابِ الَّتِي تُسَمَّى النَّارَ دُونَ غَيْرِهَا إِقَامَةَ خُلُودٍ وَبَقَاءٍ، لِكُفْرِهِمُ الْمُحْبِطِ لِأَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ حَتَّى لَا أَثَرَ لَهَا فِي
تَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَإِحَاطَةِ خَطِيئَاتِهِمْ بِهَا وَتَدْسِيَتِهَا لَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا أَدْنَى اسْتِعْدَادٍ لِجِوَارِ اللهِ تَعَالَى فِي دَارِ الْكَرَامَةِ - وَمَا ثَمَّةَ إِلَّا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (42: 7) .
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْرِكِينَ لِعِمَارَةِ مَسَاجِدِ اللهِ أَثْبَتَهَا لِلْمُسْلِمِينَ الْكَامِلِينَ، وَجَعَلَهَا مَقْصُورَةً عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ الشَّأْنِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَقَامُ الْإِيجَابِ، وَهُمُ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ الَّذِي بَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَتَنْزِيهِهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الَّذِي يُحَاسِبُ اللهُ فِيهِ الْعِبَادَ، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ، وَبَيْنَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ بِأَرْكَانِهَا وَآدَابِهَا وَتَدَبُّرِ تِلَاوَتِهَا وَأَذْكَارِهَا الَّتِي تُكْسِبُ مُقِيمَهَا مُرَاقَبَةَ اللهِ تَعَالَى وَحُبَّهُ، وَالْخُشُوعَ لَهُ، وَالْإِنَابَةَ إِلَيْهِ - وَإِعْطَاءِ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ مِنْ نَقْدٍ وَزَرْعٍ وَتِجَارَةٍ لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ - وَبَيْنَ خَشْيَةِ اللهِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْأَصْنَامِ وَسَائِرِ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ خَوْفًا مِنْ ضَرَرِهِ أَوْ رَجَاءً فِي نَفْعِهِ فَالْمُرَادُ بِالْخَشْيَةِ الدِّينِيُّ مِنْهَا دُونَ الْغَرِيزِيِّ كَخَشْيَةِ أَسْبَابِ الضَّرَرِ الْحَقِيقِيَّةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُنَافِي خَشْيَةَ اللهِ، وَلَا يَقْتَضِي خَشْيَةَ الطَّاغُوتِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا طَاعَةُ اللهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ رَضِيَ النَّاسُ أَمْ سَخِطُوا.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 189
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست