responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 188
أَوْ مُعْتَمِرِينَ، وَلَا شَيْئًا مِنْ سَائِرِ مَسَاجِدِهِ كَذَلِكَ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أَيْ: مَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ كَافِرِينَ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ قَوْلًا وَعَمَلًا؛ لِأَنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَإِنَّ عِمَارَةَ مَسَاجِدِ اللهِ الْحِسِّيَّةِ إِنَّمَا تَكُونُ لِعِمَارَتِهَا الْمَعْنَوِيَّةِ بِعِبَادَتِهِ فِيهَا وَحْدَهُ، وَلَا تَصِّحُ وَلَا تَقَعُ إِلَّا مِنَ الْمُؤْمِنَ الْمُوَحِّدِ لَهُ، وَذَلِكَ ضِدُّ الْكُفْرِ بِهِ، وَأَيُّ كُفْرٍ بِاللهِ أَظْهَرُ وَأَشَدُّ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ وَمُسَاوَاتِهِ بِبَعْضِ خَلْقِهِ فِي الْعِبَادَةِ؟ وَهُوَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ بِالِاسْتِشْفَاعِ بِهَا، وَالسُّجُودِ لِمَا وَضَعُوهُ فِي الْبَيْتِ مِنْهَا عَقِبَ كُلِّ شَوْطٍ مِنْ طَوَافِهِمْ فِيهِ، وَأَيُّ اعْتِرَافٍ بِهِ أَصْرَحُ مِنْ نَصِّ تَلْبِيَتِهَا لَهُ تَعَالَى وَهِيَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، وَكَانُوا يَكْفُرُونَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ أَيْضًا، وَلَمَّا بُعِثَ فِيهِمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ كَفَرُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، كَفَرَ سَادَتُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ جُحُودًا وَعِنَادًا وَتَبِعَهُمْ دَهْمَاؤُهُمْ خُضُوعًا لَهُمْ وَتَقْلِيدًا، وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى جُحُودِهِمْ آيَةُ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (6: 33) وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عِنَادِهِمْ آيَةُ: وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8: 32) .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: شَاهِدِينَ إِلَخْ. قَيْدٌ لِلنَّفْيِ قَبْلَهُ مُبَيِّنٌ لِعِلَّتِهِ، وَالْعِلَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ هِيَ نَفْسُ الْكُفْرِ لَا الشَّهَادَةُ بِهِ، وَنُكْتَةُ تَقْيِيدِهِ بِهَا بَيَانُ أَنَّهُ كُفْرٌ صَرِيحٌ مُعْتَرَفٌ بِهِ لَا يُمْكِنُ الْمُكَابَرَةُ فِيهِ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْتَخْدِمُوا الْكُفَّارَ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْعِمَارَةِ الْحِسِّيَّةِ الْمَمْنُوعَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ الْوِلَايَةُ عَلَيْهَا، وَالِاسْتِقْلَالُ بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا، كَأَنْ يَكُونَ نَاظِرُ الْمَسْجِدِ وَأَوْقَافِهِ كَافِرًا، وَأَمَّا اسْتِخْدَامُ الْمُسْلِمِينَ لِلْكَافِرِ فِي عَمَلٍ لَا وِلَايَةَ فِيهِ، كَنَحْتِ الْحِجَارَةِ، وَالْبِنَاءِ وَالنِّجَارَةِ، فَلَا يَظْهَرُ دُخُولُهُ فِي الْمَنْعِ، وَلَا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ نَفْيِ الشَّأْنِ، فَإِنَّ نَفْيَ الشَّأْنِ
الْمَذْكُورِ دَلِيلٌ عَلَى التَّشْرِيعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَوْنِهِ حَقًّا مَبْنِيًّا عَلَى أَسَاسٍ ثَابِتٍ فِي فِطْرَةِ الْبَشَرِ، وَلَيْسَ تَشْرِيعًا لَهَا، وَالدَّلَالَةُ فِيهِ عَقْلِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِنَا لَهُ.
(فَإِنْ قِيلَ) قَدْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْحُكَّامِ وَالْأَفْرَادِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْصَى بِمَالٍ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ لَهُمْ لِمَصْلَحَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ. (قُلْتُ) : إِنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا فَسَّرْنَا بِهِ نَفْيَ الشَّأْنِ، وَلَا مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُكْمِ، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا مِثْلَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ الْوَصِيَّةِ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ فِيهِمَا ضَرَرٌ آخَرُ دِينِيٌّ وَلَا سِيَاسِيٌّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَمَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، فَلَوْ عَرَضَ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنْ يَعْمُرُوا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى بِتَرْمِيمِ مَا كَانَ تَدَاعَى أَوْ ضَعُفَ مِنْ بِنَائِهِ أَوْ بَذَلُوا لَهُمْ مَالًا لِذَلِكَ لِمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا هَذَا وَلَا ذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّ الْيَهُودُ الْعَمَلَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست